(فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ)(١) ؛ أى فى حق الله. وقيل فى أمره ؛ وأصله من الجنب ، بمعنى الجانب ، ثم استعير لهذا المعنى. ومعناه اتقوا يوما تقول فيه كلّ نفس : يا حسرتى على ما فرطت فى جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ؛ ندامة على استهزائه بأمر الله تعالى.
فإن قلت : لم نكرت النفس (٢)؟
فالجواب أن المراد بها بعض الأنفس ، وهى نفس الكافر ؛ ويجوز أن يراد نفس (٣) متميّزة من الأنفس إمّا بلجاج فى الكفر شديد أو بعذاب عظيم ؛ ويجوز أن تكون للتكثير ؛ قال قتادة : لم يكفه أن ضيّع طاعة الله حتى سخر من امتثالها.
وروى أنه كان فى بنى إسرائيل عالم ترك علمه وفسق ـ أتاه إبليس ، فقال له : تمتّع من الدنيا ثم تب. فأطاعه ، وكان له مال ، فأنفقه فى الفجور ، فأتاه ملك الموت فى ألذّ ما كان ؛ فقال : يا حسرتى على ما فرّطت فى جنب الله ؛ ذهب عمرى فى طاعة الشيطان ، وأسخطت الملك الدّيان ، فندم حين لم ينفعه الندم ، فأنزل الله خبره فى القرآن.
فليتأمل العاقل هذا الوعيد الهائل ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون ، على طمس قلوبنا ، وغفلتنا عما يراد بنا. صدق الله العظيم فى قوله فى بعض كتبه : " يا علماء السوء ، قد وعظتكم وأنذرتكم ، ومن فعل القبيح حذّرتكم ، وكثير من الآيات أريتكم فلم تنتفعوا بالمواعظ والآيات ، وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ، تطيعون أنفسكم فيما [٢٣٧ ب] تشتهون وهى تعصيكم فيما تأمرون ،
__________________
(١) الزمر : ٥٦
(٢) فى الآية نفسها : أن تقول نفس يا حسرتى على ما ...
(٣) والكفاف : ٢ ـ ٣٠٢