ودقة ، ورقة ؛ فجعل الضوء نصيب الشمس ، والنور نصيب القمر ؛ قال تعالى (١) : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً). وجعل الضوء نصيب وجهك. والنور نصيب بصرك ، والظلام نصيب الشياطين ، وجعله لشعرك. واللطافة نصيب الطيور ، وهو نصيب قلبك. والكثافة نصيب الجبال ، وهو نصيب عظمك. والدقة نصيب الماء ، وهو نصيب ريقك. والرقة نصيب الهواء ، وهو نصيب روحك. ثم جعل فى قلبك الضوء مثل المعرفة ، والنور مثل اليقين ، والظلام مثل السيئة ، واللطافة مثل الرجاء ، والكثافة مثل الخوف ، والرقة مثل المحبة ، والدقة مثل الشوق ؛ فمن أراد أن تكون عيشته هنيئة ، وحياته طيبة فليشعل فى قلبه نور المعرفة بزند الجهد ، وحجر التضرع ، وحراقة إطفاء الشهوة ، وكبريت الانتباه ، ومسرجة الصدق ، وفتيلة الشكر ، ودهن التوكل ؛ حتى توقد نور المعرفة فى قلبه ؛ كالذى يريد أن يوقد نارا يحتاج إلى سبعة أشياء : زند ، وحجر ، وحراقة ، وكبريت ، ومسرجة ، وفتيلة ، ودهن ؛ ثم يعلق السراج بثلاث سلاسل فى ثلاث عرا ؛ وحينئذ يعلّق فى سقف البيت.
وهكذا صاحب سراج المعرفة لا بد له من سلسلة الخوف معلّقة بعروة العدل ، وسلسلة من الرجاء فى عروة الفضل ، وسلسلة من المحبة فى عروة الكرامة ، وحينئذ يعضد بالعرش ، ولا تقدر رياح الأعضاء السبعة ومعاصيهن أن تطفىء هذا السراج ؛ فهؤلاء المجوس أوقدوا نارا ليعبدوها فلم يقدر أحد على إطفائها ؛ فكيف يقدر أحد على إطفاء نور المحبة. والله تعالى يقول (٢) : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
(ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ (٣)) ؛ أى صرنا ترابا ؛ وهذا استبعاد من الكفار
__________________
(١) يونس : ٥
(٢) التوبة : ٣٢
(٣) السجدة : ١٠