هذا أصل الابتهال ، ثم استعمل فى كل دعاء يجتهد فيه ، وإن لم يكن لعنة. ولما نزلت الآية أرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى نصارى نجران ودعاهم إلى المباهلة ، ودعا بعلى وفاطمة والحسن والحسين ، فلم يقدروا على المباهلة لعلمهم أنهم على الباطل ، وأعطوا الجزية على البقاء فى دينهم.
(نَطْمِسَ وُجُوهاً (١)) : نمحو ما فيها من عين وأنف وحاجب ، حتى تصير كالأدبار فى خلوّها عن الحواس.
(نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ (٢)) ؛ أى نمسخهم كما مسخنا أصحاب السبت الذين قلنا لهم (٣) : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) ، أو يكون من اللعن المعروف ؛ والضمير يعود على الوجوه ، والمراد أصحابها ؛ أو يعود على الذين أوتوا الكتاب على الالتفات.
قال شهر بن حوشب ، عن كعب الأحبار : كان أبى من مؤمنى أهل التوراة برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان من عظمائهم وخيارهم ، وكان من أعلم الناس بما أنزل الله فى التوراة وبكتب الأنبياء ؛ ولم يكن يدخر عنى شيئا ، فقال لى يوما : يا بنى ؛ إنى قد حضرتنى الوفاة ، وقد علمت أنى لم أدّخر عنك شيئا مما كنت أعلم ، غير ورقتين ذكر فيهما النبىّ المبعوث ؛ وقد أظل زمانه ، وكرهت أن أخبرك بذلك ، ولا آمن عليك بعد وفاتى من بعض هؤلاء الكذّابين فتتبعه ، وقد قطعتهما من كتابك ، وجعلتهما فى هذه الكوة التى ترى ، وطينت عليهما ؛ فلا تتعرض لهما ولا تظهرهما زمانك هذا ، وأقرّهما فى موضعهما حتى يخرج ذلك النبى ؛ فإذا خرج فاتّبعه ، وانظر فيهما ؛ فإن الله يزيدك بذلك خيرا كثيرا.
__________________
(١) النساء : ٤٧
(٢) النساء : ٤٧
(٣) البقرة : ٦٥