(مِتُّ قَبْلَ هذا (١)) : إنما تمنّت مريم الموت خوفا من إنكار قومها ، وظنهم بها [١٩٣ ا] الشر ، ووقوعهم فى ذمّها. وتمنى الموت جائز فى مثل هذا.
وليس هذا من تمنى الموت لضرر نزل بالبدن ، فإنه منهى عنه للحديث : لا يتمنى أحدكم الموت لضرر نزل به ، وليقل اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لى.
وحكى أنه لما اشتد بها الموت قالت هذا.
فإن قلت : ها هى آمنة أمّ مولانا محمد صلىاللهعليهوسلم لم تجد ألما حين ولادته ، ومريم وجدت الألم؟
والجواب أن الله أجرى العادة فى هذه الدار أنه على قدر الفرح يكون التّرح ، ومريم قرّ الله عينها بعيسى ، وشاهدت معجزاته ، وظهور أمره ، فاشتدّ عليها الأمر ، وأمّ سيد الأولين والآخرين لم يكن لها منه حظّ ، ولم تشاهده ، فرفع الله عنها الألم. وقيل العطاء مقسوم على قدر البلاء ، ألا ترى إلى نوح لمّا يئس من إيمان قومه ولم يفرح بهم وآذوه استجاب الله له فيهم ، ونبيّنا علم إيمان أمّته ، واتّباع شريعته ، فاحتمل أذاهم ، ولم يدع على قومه ، فقال : اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون.
فإن قلت : قد دعا عليهم بقوله : اللهم أعنّى عليهم بسبع كسبع يوسف. وقال لما صب عليه سلى (٢) الجزور : اللهم عليك بقريش.
والجواب أنه دعا عليهم ، لأنه غضب لله ؛ إذ عادته صلىاللهعليهوسلم الصفح
__________________
(١) مريم : ٢٣
(٢) السلى : جلدة فيها الولد من الناس والمواشى ، جمعه أسلاء (القاموس).