وأنت يا محمدى أولى بمحبة الله لك ورحمته ، ونصرته ونفى الخوف عنه إن كنت محسنا ؛ قال تعالى (١) : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ). ((٢) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا).
(مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ (٣)) : أى الدالة على براءته. والضمير يعود على الملك وزليخا ، وإنما عرضت به للسجن والعذاب ؛ لأنه أيسر الأشياء ، وكانت ترجوه إن بقى. فكذلك عرض مولانا لنا أيسر الأمرين الفضل والعدل ؛ فإن عاملناه بالعقل والعدل عاملنا بالفضل ؛ لأن له فى الأمور التى يبديها ويخرجها أمرين ؛ ألا ترى إلى قصة يوسف عليهالسلام كيف مضى عليه حين من الدهر ، وهو مشتغل ببلواه ، وغيره مشتغل به ونهواه ، حتى إن أباه بكى على فراقه وإخوته بكوا حسدا له ، وبكى يوسف على ما ابتلى به فى صغر سنه وغربته ، وبكت امرأة العزيز على محبته ، فلما كشف الله الغطاء ، وأظهر بدائع لطفه تغيّرت الأحوال فصار بكاء يعقوب وحزنه على خواتم الأمور فرحا ؛ فحكى الله عنه قوله : يا بنى ، إن الله اصطفى لكم الدين.
وأما الإخوة فإنهم رجعوا إلى الاستغفار ، وقالوا : يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين.
وأما يوسف عليهالسلام فقال : توفّنى مسلما وألحقنى بالصالحين.
وأما زليخا فإنها قالت : الآن حصحص الحقّ.
فكيف تحزن يا محمدى على فوت الدنيا ، وأنت ترى أحوالها وزوالها واضمحلالها ، وتدّعى أنك تطلب الحقّ؟ هيهات!
__________________
(١) التوبة : ٩١
(٢) النحل : ١٢٨
(٣) يوسف : ٣٥