فإن قلت : من أين يعرف أن المؤمن يحبّ الله أكثر من الكافر ، والكافر يقتل نفسه لمعبوده ، والمؤمن لا يفعل ذلك؟
فالجواب أنّ الكافر إذا أصابته شدّة تبرّأ من معبوده ؛ قال تعالى (١) : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ ...) الآية. وقال : أغير الله تدعون. والمؤمن لا يعرض عن الله بالشدائد والمحن ، قال تعالى : ولنبلونّكم. والكافر يتبرّأ من معبوده يوم القيامة ؛ قال تعالى (٢) : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا). ((٣) وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا). والمؤمن لا يتبرأ من معبوده. ومحبة الكافر بعد الرؤية ، ومحبة المؤمن قبل الرؤية. ومحبة الكافر من جانب واحد وهو من نفسه ليس لمعبوده منه محبّة ، ومحبة المؤمنين من الجانبين ؛ لقوله : يحبّهم ويحبّونه. والكافر أظهر المحبة لمعبوده بقربان نفسه ، والمؤمن كتم فى نفسه ؛ بل نهاه معبوده عن قتلها ؛ قال تعالى (٤) : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً). وكيف يقتل نفسه وهى ماله ؛ قال تعالى (٥) : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ).
وأيضا لو قتل المؤمن نفسه لأجل معبوده ـ لأن له عنده خطرا عظيما ـ قال بعض العارفين رفع الله القسمة بينه وبين العارفين ؛ فكان للعارف اثنان : المعرفة والشهادة ، ذكرهما لنفسه فى قوله تعالى : شهد الله ... الآية ؛ وقوله : أفمن شرح الله صدره للإسلام ، ولله اثنان العزة والطاعة ؛ قال تعالى (٦) : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ). وقوله (٧) : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا).
فإن قلت : ما علامة حقيقة المحبة؟
__________________
(١) العنكبوت : ٦٥
(٢) البقرة : ١٦٦
(٣) مريم : ٨٢
(٤) النساء : ٢٩
(٥) التوبة : ١١١
(٦) المائدة : ٥٥
(٧) البقرة : ٢٥٧