والوجه الثانى أن يكون كلامين ، فيوقف على اركبوا فيها ، ويكون بسم الله فى موضع خبر ، ومجراها ومرساها مبتدأ بمعنى المصدر ؛ أى إجراؤها وإرساؤها ، ويكون بسم الله على هذا مستأنفا غير متّصل بما قبله ، ولكنه من كلام نوح ، حسبما ورد أنّ نوحا كان إذا أراد أن يجرى السفينة قال : بسم الله ؛ فتجرى. وإذا أراد وقوفها قال بسم الله فتقف.
وفى الآية إشارة إلى أن يكون العبد فى جميع تصرفاته مشتغلا بمولاه ؛ ولذلك قال الصوفية : أنت سفينة الوجود ، وسفينة نوح عليهالسلام كان إجراؤها وإرساؤها كما أخبر الحقّ سبحانه فى كتابه (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) ، وقد أرشدت الشريعة المحمدية أن يكون جميع تحركك وسكونك بذكر الله تعالى. فتفتتح عند نومك بسم الله ، وعند أكلك وشربك وخروجك من منزلك ودخولك فيه ، ولباس ثوبك وتجريده كذلك ؛ وعند استفتاح كلامك ، وعند نكاحك وسفرك وإيابك إلى أهلك ، وعند قيامك وقعودك ؛ فإن كنت فى حالك محمديّا رست سفينتك على جودىّ السلامة ، وإن تخلفت عنه لم يكن لك عاصم من أمر الله ، وغرقت فى طوفان المهالك ، وإن لم تشعر أنك هالك فتيقّظ من سكرة هواك تجد روحك فى قارورة شهواتك غارقا (١) فى فضلة معاصيك.
ذكر أن ابن نوح عليهالسلام حين تخلّف عن ركوب السفينة اتخذ قارورة قدر ما تحمله ، وصعد على الجبل ، فلما بلغه الماء دخل فيها ، وأغلقها على نفسه ، وأرسل عليه إدرار البول حتى مات غريقا فيه ، فاكسرها بحجر عزيمة التوبة ، وناد بلسان حالك ومقالك : يا منقذ الغرقاء ، ويا منجى الهلكى ، انقذنى ؛ فإنى ذاهب ، لعل حنين صوتك يشفع فيك ، أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه.
__________________
(١) الروح يذكر ويؤنث.