أرزاقنا ، وأغدقنا عليهم إنفاقنا ، لكنهم لم يفعلوا ما نحبّ ، فلذلك لم نفعل ما يحبون.
وانظر كيف تكفّل الله سبحانه بالرزق لعباده تعريفا بوداده ، ولم يكن ذلك واجبا عليه ؛ بل أوجبه على نفسه إيجاب كرم وتفضّل ، كأنه يقول : أيها العبد ليست كفالتى ورزقى خاصّا بك ؛ بل كلّ دابة فى الأرض أنا كافلها ورازقها ، وموصّل إليها قوتها ؛ فاعلم بذلك سعة كفالتى ، وغناء ربوبيّتى ، وأن شيئا لا يخرج عن إحاطتى ورعايتى ؛ فثق بى كفيلا ، واتخذنى وكيلا ؛ فإذا رأيت ذكرى لأصناف الحيوان ، ورعايتى إياها ، وقيامى بحسن الكفالة لها وأنت أشرف هذا النوع ، فأنت أولى بأن تكون لكفالتى واثقا ، ولفضلى رامقا ؛ ألا ترانى قلت (١) : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) ؛ أى على سائر أجناس الحيوان إذ دعوناهم إلى خدمتنا ، ووعدناهم دخول جنتنا ، وخطبناهم إلى حضرتنا ؛ ومما يوضّح لك كرامة الآدمى على غيره من المكونات أن المكونات مخلوقات من أجله ، وهو مخلوق من أجل حضرة الله ؛ فإذا علمت أن الأكوان مخلوقة من أجلك إمّا انتفاعا وإما اعتبارا ، وهو نفع أيضا ، فينبغى لك أن تعلم أن الله سبحانه إذا رزق من هو مخلوق من أجلك كيف لا يكون لك رازقا ، فاستحى منه أن تكون بعد ما كساك حلّة الإيمان ، وزيّنك بزينة العرفان ، أن تستولى عليك الغفلة والنسيان ، حتى تميل إلى الأكوان ، أو تطلب من غيره وجوه امتنان. وقد قال تعالى (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). ومن العقود التى عاقدته عليها ألّا ترفع حوائجك إلا إليه ، ولا تتوكل إلا عليه ؛ ولازم إقرارك له بالربوبية يوم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ!) فرضيت به ربّا واحدا رازقا ، فكيف توحّده هنالك وتجهله
__________________
(١) الإسراء : ٧٠
(٢) المائدة : ١