فالجواب من وجهين :
أحدهما ـ أنه أراد انفضّوا إلى اللهو وانفضوا إلى التجارة ؛ ثم حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه ؛ قاله الزمخشرى (١).
والآخر ـ أنه قال ذلك تهمّما (٢) بالتجارة ؛ إذ كانت أهمّ ، وكانت هى سبب اللهو ، ولم يكن اللهو سببها ؛ قاله ابن عطية.
فإن قلت : لم قدّم فى هذه الآية اللهو على التجارة ، وقدم التجارة قبل هذا على اللهو؟
فالجواب أنّ كلّ واحد من الموضعين جاء على ما ينبغى فيه ؛ وذلك أنّ العرب تارة يبدءون بالأكثر ، ثم ينزلون إلى الأقل ؛ كقولك : فلان يخون فى الكثير والقليل ؛ فبدأت بالكثير ، ثم أردفت عليه القليل ؛ وهى دونه. وتارة يبدءون بالأقل ، ثم يرتقون إلى الأكثر ؛ كقولك : فلان أمين على القليل والكثير ؛ فبدأت بالقليل ثم أردفت عليه الكثير. ولو عكس فى كل واحد من المثالين لم يكن حسنا ؛ فإنك لو قدمت فى الخيانة ذكر القليل لعلم أنه يخون فى الكثير من باب أحرى وأولى ؛ ولو قدمت فى الأمانة ذكر الكثير لعلم أنه أمين فى القليل من باب أولى وأحرى ، فلم يكن لذكره بعد ذلك فائدة ، وكذلك قوله : إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضّوا إليها ـ قدم التجارة هنا ليبيّن أنهم ينفضّون إليها من باب أولى ، انفضاضهم إلى اللهو الذى هو [١٧٨ ب] دونها.
وقوله : خير من اللهو ومن التجارة ـ قدم اللهو ؛ ليبين أنّ ما عند الله
__________________
(١) الكشاف : ٢ ـ ٤٦٠
(٢) تهمم الشيء : طلبه وتحسسه (القاموس).