ما آتاكم من الفيء فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ؛ فكأنها أمر للمهاجرين بأخذ الفيء ، ونهى للأنصار عنه ؛ ولفظ الآية مع ذلك عامّ فى أوامره ونواهيه صلىاللهعليهوسلم ؛ ولذلك استدل بها عبد الله بن مسعود على المنع من لبس المخيط على لمحرم ، ولعن الله الواشمة وغيرها لوروده عنه صلىاللهعليهوسلم.
(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ (١)) ؛ أى هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم ـ يعنى اليهود من بنى قينقاع ؛ فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أجلاهم عن المدينة قبل بنى النضير ، فكانوا مثلا لهم. وقيل يعنى أهل بدر الكفار ؛ فإنهم قبلهم ، ومثل لهم فى أن غلبوا وقهروا.
والأول أرجح ؛ لأنّ قوله : قريبا ـ يقتضى أنهم كانوا قبلهم بمدة يسيرة ؛ وذلك أوقع على بنى قينقاع. وأيضا فإن تمثيل بنى النضير ببنى قينقاع أليق لأنّهم يهود مثلهم ، وأخرجوا من ديارهم ، كما فعل بهم ؛ وذلك هو المراد بقوله : ذاقوا وبال أمرهم.
(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ ... (٢)) الآية. مثّل الله المنافقين الذين أغووا اليهود من بنى النضير ثم خذلوهم بعد ذلك بالشيطان ؛ فإنه يغوى ابن آدم ثم يتبرأ منه ، والمراد بالشيطان والإنسان هنا الجنس.
وقيل : أراد الشيطان الذى أغوى قريشا يوم بدر ، وقال لهم : إنى جار لكم. وقيل المراد بالإنسان برصيص العابد ؛ فإنه استودع امرأة فزيّن له الشيطان الوقوع عليها ، فحملت فخاف الفضيحة ، فزيّن له الشيطان قتلها ، فلما وجدت مقتولة تبيّن فعله ، فتعرّض له الشيطان ، وقال له : اسجد لى وأنجيك ، فسجد له وتبرّأ منه. وهذا ضعيف فى النقل. والأول أرجح.
__________________
(١) الحشر : ١٥
(٢) الحشر : ١٦