(مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ (١)) : يعنى أنّ الله أنزل الحديد ليعمل منه السلاح لقتال أعداء الله ، وليعلم الله من ينصره ؛ أى ليعلمه موجودا فالتغير ليس فى علم الله ؛ بل فى هذا الحديث الذى خرج من العدم إلى الوجود. ومعنى (بِالْغَيْبِ) بما سمع من الأوصاف الغائبة عنه ، فآمن به لقيام الأدلة عليها ، فأىّ عذر لتارك الجهاد فى سبيل الله؟ وقد أخبر أنه أرسل رسلا ، وأنزل كتبا ، وعدلا مشروعا ، وسلاحا يقاتل به من عاند ، ولم يهتد بهدى الله.
(ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ (٢)) : أى فرضنا وشرعنا. وفى هذا قولان :
أحدهما أن الاستثناء منقطع. والمعنى ما كتبنا على الذين اتّبعوا عيسى الرهبانية من الاعتزال عن الناس ، ورفض النساء ، وترك الدنيا ، ولكنهم فعلوها من تلقاء أنفسهم ابتغاء رضوان الله.
والآخر أنّ الاستثناء متصل : والمعنى كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله.
والأول أرجح ؛ لقوله (٣) : ابتدعوها ؛ ولقراءة عبد الله بن مسعود ما كتبناها عليهم ، لكن ابتدعوها. والمعتزلة يعربون (رَهْبانِيَّةً) مفعولا بفعل مضمر يفسره ابتدعوها ؛ لأن مذهبهم أنّ الإنسان يخلق أفعاله ، فأعربوها على مذهبهم الفاسد.
(ما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها (٤)) ؛ أى لم يدوموا عليها ، ولم يحافظوا على الوفاء بها. والضمير فى رعوها للذين ابتدعوها لرهبانية ، وكان يجب عليهم إتمامها ،
__________________
(١) الحديد : ٢٥
(٢) الحديد : ٢٧
(٣) الآية نفسها من سورة الحديد.
(٤) الحديد : ٢٧