ليس ممّن فى السموات والأرض باتفاق ؛ فإن القائلين بالجهة والمكان يقولون : إنه فوق السموات والأرض ، والقائلين بنفى الجهة يقولون : إنه تعالى لا فيهما ولا داخلا فيهما ولا خارجا عنهما ؛ فهو على هذا استثناء منقطع ، فكان يجب أن يكون منصوبا.
فالجواب من أربعة أوجه :
الأول : أن البدل هنا جاء على لغة بنى تميم فى البدل ، وإن كان منقطعا ؛ كقولهم : ما فى الدار أحد إلا حمار بالرفع ، والحمار ليس من الأحدين (١) ؛ وهذا ضعيف ؛ لأن القرآن نزل بلغة أهل الحجاز لا بلغة بنى تميم.
والثانى : أن الله تعالى فى السموات والأرض بعلمه ، كما قال تعالى (٢) : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) ؛ فجاء البدل على هذا المعنى للظرفية المجازية ، ولا يجوز استعمال لفظة واحدة فى الحقيقة والمجاز فى حالة واحدة عند المحققين.
والثالث : أن قوله من فى السموات والأرض يراد به كلّ موجود ؛ فكأنه قال : من فى الوجود ، فيكون الاستثناء على هذا متصلا ، فيصحّ الرّفع على البدل ؛ وإنما قال من فى السموات والأرض جريا على منهاج كلام العرب ؛ فهو لفظ خاص يراد به ما هو أعمّ منه.
والرابع : أن يكون الاستثناء متّصلا على أن يتأوّل من فى السموات فى حق الله كما يتأول قوله (٣) : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ). وحديث السوء أو شبه ذلك.
__________________
(١) هذا بالأصلين.
(٢) الحديد : ٤
(٣) الملك : ١٦