إنّك لدينا مكين أمين ، مكين من التمكن (١) ؛ والأمين من الأمانة ؛ فهكذا ينبغى ألّا يصطفى الإنسان لنفسه صاحبا إلّا بعد الاختبار والامتحان ؛ إذ بعدهما يعزّ المرء أو يهان. يشهد لذلك الحديث : هل سافرت معه؟ هل بايعته؟ هل شاريته؟
(مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ (٢)) : إشارة بذلك إلى ما تقدم من جميل صنع الله به. وروى أن الملك أسند إليه جميع الأمور حتى تغلّب على جميع الأمور ، وأن امرأة العزيز شابت وافتقرت فتزوّجها يوسف. ورد الله عليها جمالها وشبابها ، وأنه باع من أهل مصر فى أعوام القحط فى السنة الأولى بالدنانير والدراهم حتى لم يبق لهم شىء منها ، ثم بالحلى ثم بالدّوابّ ثم بالضياع والعقار ، ثم برقابهم حتى تملّكهم جميعا ، ثم أعتقهم ورد أملاكهم عليهم.
تنبيه
على قدر النعمة تكون النّقمة ؛ لم يصل يوسف عليهالسلام إلى هذا حتى امتحن بفراق أبويه ، وبالجبّ وبالسجن ، واللوم والتعيير ، فكيف تطمع باللحوق إلى منزل الكرامة الباقية دون امتحان رسول الله : بقى فى السجن بقوله : اذكرنى عند ربك ـ سبع سنين ؛ فكيف حال من عصى مولاه سبعين سنة ، فإن لم تمتحن نفسك بطاعة مولاك فلا بدلك أن تخرج من سجن الدنيا إلى ظلمة القبر وهول المحشر وتطاير الصحف والحساب والميزان والجواز
__________________
(١) فى الكشاف (١ ـ ٤٧٦) : مكين أى ذو مكانة ومنزلة ، أمين : مؤتمن على كل شىء. وفى ابن كثير (٣ ـ ٤٨٢) : أى إنك عندنا بقيت ذا مكانة وأمانة.
وفى القرطبى (٩ ـ ٢١٢) : متمكن نافذ القول أمين لا تخاف غدرا.
(٢) يوسف : ٥٦