وقوله تعالى (١) : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) ـ فهى سحابة من نار أحرقت قوم شعيب ، فأهلك الله مدين بالصّيحة ، وأهلك الأيكة بالظلة.
فإن قلت : لم كرّر الآية فى الشعراء مع كل قصة؟
فالجواب أن ذلك أبلغ فى الاعتبار ، وأشد تنبيها للقلوب ، وأيضا فإن كل قصة منها كلام قائم مستقل بنفسه ، فختمت بما ختمت به صاحبتها.
فإن قلت : الظلل إنما تكون من فوق ؛ فلم قال (٢) : (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)؟ فالجواب إنما سماها ظلة لمن تحتهم ، لأن جهنم طبقات.
وقيل : إنما سماه ظلة لأنه يتلهب ويصعد من أسفلهم إلى فوقهم.
(ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ (٣)) : هذا تمثيل للكفّار فى حيرتهم وضلالهم ، فالظلمات أعمال الكفار والبحر اللجّىّ صدره (٤) ، والموج جهله ، والسحاب الغطاء الذى على قلبه.
وذهب بعضهم إلى أنه تمثيل بالجملة من غير مقابلة. وفى وصف هذه الظلمة بهذه الأوصاف مبالغة ، كما أن فى وصف النور المذكور قبلها مبالغة. وأما قوله تعالى ـ حكاية عن يونس عليهالسلام (٥) : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ـ فهى ظلمة المشيمة ، وظلمة الرّحم ، وظلمة البطن ، وظلمة الليل ، وظلمة البحر ؛ ففي هذه الآية توحيد ، ثم تنزيه ، ثم اعتراف. وفيها ثلاث ظلمات ، وثلاثة مفاتيح ظلمة ، وثلاث هبات ، وثلاثة علوم ، وثلاثة أذكار. وقد وعد سبحانه بنجاة من قالها.
__________________
(١) الشعراء : ١٨٩
(٢) الزمر : ١٦
(٣) النور : ٤٠
(٤) فى القرطبي (١٢ ـ ٢٨٥) : قلبه.
(٥) الأنبياء : ٨٧