ويقرب من الاستطراد حتى لا يكادان (١) يفترقان حسن التخلص ؛ وهو أن ينتقل مما ابتدأ به الكلام إلى المقصود على وجه سهل يختلسه اختلاسا دقيق المعنى ، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع عليه الثانى لشدة الالتئام بينهما.
وقد غلط أبو العلاء محمد بن غانم فى قوله : لم يقع منه فى القرآن شىء لما فيه من التكلف ؛ وقال : إن القرآن إنما وقع ردا على الاقتضاب الذى هو طريق العرب من الانتقال إلى غير ملائم.
[التخلص]
وليس كما قال ؛ ففيه من التخلصات العجيبة ما يحيّر العقول. وانظر إلى سورة الأعراف كيف ذكر فيها الأنبياء والقرون الماضية والأمم السالفة ، ثم ذكر موسى إلى أن قص حكاية السبعين رجلا ودعائه لهم ولسائر أمته بقوله (٢) : واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة» ، وجوابه تعالى عنه ، ثم تخلص بمناقب سيد المرسلين بعد تخلصه بقوله لأمته (٣) : (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ) من صفاتهم كيت وكيت ، وهم الذين يتبعون الرسول النبى الأمى ؛ وأخذ فى صفاته الكريمة وفضائله.
وفى سورة الشعراء حكى قول إبراهيم (٤) : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ). فتخلص منه إلى وصف المعاد بقوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ ...) الخ.
وفى سورة الكهف حكى سدّ «ذو القرنين» بقوله (٥) : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ
__________________
(١) فى ا : لا يكاد يفترقان.
(٢) الأعراف : ١٠٦.
(٣) الأعراف : ١٠٦.
(٤) الشعراء : ٨٧.
(٥) الكهف : ٩٨.