وقد جرت عادة القرآن العظيم إذا ذكر أحكاما ذكر بعدها وعدا أو وعيدا ؛ لتكون باعثا على العمل بما سبق ، ثم يذكر آيات توحيد وتنزيه ؛ ليعلم عظم الآمر الناهى.
وتأمّل سورة البقرة والنساء والمائدة تجده كذلك.
وإن لم تكن معطوفة فلا بد من دعامة تؤذن باتصال الكلام ، وهى قرائن معنوية تؤذن بالربط (١).
[أسباب الربط]
وله أسباب :
أحدها : التنظير ؛ فإن إلحاق النّظير بالنّظير من شأن العقلاء ، كقوله (٢) : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) ـ عقب قوله (٣) : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ) ؛ فإنه تعالى أمر رسوله أن يمضي لأمره فى الغنائم على كره من أصحابه ، كما مضى لأمره فى خروجه من بيته لطلب العير أو القتال وهم له كارهون. والقصد أن كراهتهم لما فعله من قسم الغنائم ككراهتهم للخروج. وقد تبين فى الخروج الخير من النصر والظفر والغنيمة وعزّ الإسلام ، فكذا يكون فيما فعله فى القسمة ، فليطيعوا ما أمروا به ويتركوا هوى أنفسهم.
الثانى : المضادة ، كقوله فى سورة البقرة (٤) : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ ...) الآية. فإن أول السورة كان حديثا عن القرآن ، وأن من شأنه الهداية للقوم الموصوفين بالإيمان. فلما أكمل وصف المؤمنين عقب بحديث
__________________
(١) فى البرهان (١ ـ ٤٦) : والأول مزج لفظى ، وهذا مزج معنوى ، تنزل الثانية من الأولى منزلة جزئها الثانى.
(٢) الأنفال : ٤
(٣) الأنفال : ٥
(٤) البقرة : ٦