فى حسن ارتباط الكلام أن يقع فى أمر متّحد مرتبط أوله بآخره (١). فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط. ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله حسن الحديث ، فضلا عن أحسنه ؛ فإن القرآن نزل فى نيّف وعشرين سنة فى أحكام مختلفة ، شرعت لأسباب مختلفة ، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض.
وقال الشيخ ولى الدين الملوى : قد وهم من قال. لا يطلب للآية (٢) الكريمة مناسبة : لأنها على حسب الوقائع المتفرقة. وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلا ، وعلى حسب الحكمة ترتيبا ، وتأصيلا ، فالمصحف على وفق اللوح المحفوظ مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف ، كما أنزل جملة إلى بيت العزة. ومن المعجز البين أسلوبه ، ونظمه الباهر ؛ والذى ينبغى فى كل آية أن يبحث أول كل شىء عن كونها تكملة لما قبلها أو مستقلة ؛ ثم المستقلة [١١ ب] ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ ففي ذلك [علم](٣) جم. وهكذا فى السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له.
وقال الإمام الرازى فى سورة البقرة : ومن تفكر فى لطائف نظم هذه السورة وفى بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة الفاظه وشرف معانيه فهو أيضا بسبب ترتيبه ونظم آياته ، ولعل الذين قالوا إنه معجز بسبب أسلوبه أرادوا ذلك ، إلا أنى رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه اللطائف ، غير منتبهين لهذه الأسرار ، وليس الأمر فى هذا الباب إلا كما قيل :
والنجم تستصغر الأبصار صورته |
|
والذّنب للطرف لا للنّجم فى الصغر |
__________________
(١) فى البرهان : لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر
(٢) فى البرهان : للآى.
(٣) من الإتقان والبرهان.