مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) ؛ فاستدل سبحانه بردّ النشأة الأخرى إلى الأولى والجمع بينهما بعلة الحدوث. ثم زاد فى الحجاج بقوله (١) : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) ؛ وهذه فى غاية البيان فى رد الشيء إلى نظيره ، والجمع بينهما من حيث تبديل الأعراض عليها.
خامسها : فى قوله (٢) : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ ، بَلى ...) الآيتين ؛ وتقريرها أن اختلاف المختلفين فى الحقّ لا يوجب انقلاب الحق فى نفسه ، وإنما تختلف الطرق الموصلة إليه ، والحقّ فى نفسه واحد ؛ فلما ثبت أن هاهنا حقيقة موجودة لا محالة ، وكان لا سبيل لنا فى حياتنا إلى الوقوف عليها وقوفا يوجب الائتلاف ويرفع عنا الاختلاف ؛ إذ كان الاختلاف مركوزا فى فطرنا ، وكان لا يمكن ارتفاعه وزواله إلا بارتفاع هذه الجبلّة ، ونقلها إلى صورة غيرها ـ صح ضرورة أن لنا حياة أخرى غير هذه الحياة ، فيها يرتفع الاختلاف والعناد ؛ وهذه هى الحالة التى وعد الله بالمصير إليها ؛ فقال (٣) : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) ؛ فقد صار الخلاف الموجود ، كما ترى ، أوضح دليل على كون البعث الذى ينكره المنكرون ؛ كذا قرره ابن السيّد.
ومن ذلك الاستدلال على أنّ صانع العالم واحد ، بدلالة التمانع المشار إليها فى قوله (٤) : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) ؛ لأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجرى تدبيرهما على نظام ، ولا ينسّق على إحكام ، ولكان العجز يلحقهما أو أحدهما ؛ وذلك لأنه لو أراد أحدهما إحياء جسم [٧٥ ب] وأراد الآخر
__________________
(١) ق : ١٥
(٢) النحل : ٣٨ ، ٣٩
(٣) الأعراف : ٤٣
(٤) الأنبياء : ٢٢