إما فى الماضى وإما فى المستقبل ؛ أكثر من الماضى أبدا ، ولا أخف من ما ، فوضعوا الأخف للأكثر.
ثم إن النفى فى الماضى إما أن يكون نفيا واحدا مستمرا ، أو نفيا فيه أحكام [٧٠ ب] متعددة ، وكذلك النفى فى المستقبل ، فصار النفى على أربعة أقسام. واختاروا له أربع كلمات : ما ، ولم ، ولن ، ولا ، فأما إن ولمّا فليسا بأصلين ، فما ولا فى الماضى والمستقبل متقابلان. ولم كأنه مأخوذ من لا وما ، لأن لم نفى للاستقبال لفظا والمضىّ معنى ، فأخذ اللام من لا التى هى لنفى المستقبل والميم من «ما» التى هى لنفى الماضى ، وجمع بينهما إشارة إلى أن فى «لم» إشارة إلى المستقبل والماضى ، وقدم اللام على الميم إشارة إلى أن «لا» هى أصل النفى ، ولهذا ينفى بها فى أثناء الكلام ، فيقال لم يفعل زيد ولا عمر. أما لما فتركيب (١) بعد تركيب ، كأنه قال : لم وما لتوكيد معنى النفى فى الماضى. وتفيد الاستقبال أيضا ، ولهذا تفيد لما الاستمرار.
تنبيهات
الأول ـ زعم بعضهم أن شرط صحة النفى عن الشيء صحة اتصاف المنفى عنه بذلك الشيء ، وهو مردود بقوله (٢) : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ). ((٣) وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا). ((٤) لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ). ونظائره.
والصواب أن انتفاء الشيء عن الشيء قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلا ، وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه.
__________________
(١) فى ب : فتركبت.
(٢) الأنعام : ١٣٢
(٣) مريم : ٦٤
(٤) البقرة : ٢٥٥