تنبيهات
الأول ـ قد (١) تجتمع فواصل فى موضع واحد ، ويخالف بينها ؛ كأوائل النحل ؛ فإنه تعالى بدأ بذكر الأفلاك ، فقال (٢) : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) ، ثم ذكر خلق الإنسان (مِن نُّطْفَةٍ (٣)) ؛ ثم ذكر خلق «الأنعام» ، ثم عجائب النبات ، فقال (٤) : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ ...) الآية. فجعل مقطع هذه الآية التفكر ؛ لأنه استدلال بحدوث الأنواع المختلفة من النبات على وجود الإله القادر (٥).
ولما كان هنا مظنة سؤال ؛ وهو أنه : لم لا يجوز أن يكون المؤثر فيه طبائع الفصول وحركات الشمس والقمر؟ وكان الدليل لا يتم إلا بالجواب عن هذا السؤال ـ كان بحال التفكر والنظر والتأمل باقيا ؛ فأجاب عنه تعالى من وجهين : أحدهما ـ أن تغييرات العالم السّفلى (٦) مربوطة بأحوال حركات الأفلاك ، فتلك الحركات [٩ ا] كيف حصلت؟ فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى التسلسل ؛ وإن كان من الخالق الحكيم فذلك إقرار بوجود الإله تعالى ؛ وهو المراد بقوله (٧) : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). فجعل مقطع هذه الآية العقل ؛ وكأنه قيل : إن كنت عاقلا فاعلم أن التسلسل باطل ، فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون موجدها غير متحرك ، وهو الإله القادر المختار.
__________________
(١) البرهان : ١ ـ ٨٤.
(٢) النحل : ٣.
(٣). ٤.
(٤). ١٠ ، ١١.
(٥) فى البرهان ، والاتقان : القادر؟ ال؟.
(٦) فى البرهان : الأسفل.
(٧) النحل : ١٢.