ذكر الحلم والرشد على الترتيب ؛ لأن الحلم يناسب العبادات ، والرشد يناسب الأموال. وقوله (١) : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ ...) إلى قوله : (أَفَلا يُبْصِرُونَ). فأتى فى الآية الأولى بيهد لهم ، وختمها ب «يسمعون» ؛ لأن الموعظة فيها مسموعة وهى أخبار القرون. وفى الثانية بيروا ، وختمها يبصرون لأنها مرئية.
وقوله (٢) : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ؛ فإن اللطيف يناسب ما لا يدرك بالبصر ، والخبير يناسب ما يدركه.
وقوله (٣) : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) إلى قوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ، فإن فى هذه الفاصلة التمكين التام المناسب لما قبلها.
وقد بادر بعض الصحابة حين نزل أول الآية إلى ختمها بها قبل أن يسمع آخرها ؛ فأخرج ابن أبى حاتم من طريق الشعبى عن زيد بن ثابت ؛ قال : أملى علىّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) إلى قوله : خلقا آخر ـ قال معاذ بن جبل : فتبارك الله أحسن الخالقين ؛ فضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له معاذ : ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال : بها ختمت.
وحكى أن أعرابيا سمع قارئا يقرأ (٤) : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ) غفور (٥) رحيم». ولم يكن يقرأ القرآن ، فقال : إن هذا ليس بكلام الله ؛ لأن الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل ، لأنه إغراء عليه.
__________________
(١) السجدة : ٢٦ ، ٢٧
(٢) الأنعام : ١٠٣
(٣) المؤمنون : ١٢ ـ ١٤
(٤) البقرة : ٢٠٩
(٥) صحة الآية : فاعلموا أن الله عزيز حكيم. البقرة ٢٠٩