أن يريدوا لو نعلم حقيقة القتال ، فلذلك قدّره مجاهد مكان قتال. ويدل عليه أنهم أشاروا على النبى صلىاللهعليهوسلم ألا يخرج من المدينة.
ومنها الشروع فى الفعل ، نحو : «بسم الله». فيقدر ما جعلت التسمية مبدأ له ، فإن كانت عند الشروع فى القراءة قدرت أقرأ ، أو الأكل قدرت آكل. وعلى هذا أهل البيان قاطبة ، خلافا لقول النحاة : إنه يقدر ابتدأت ، أو ابتدائى كائن بسم الله.
ويدل على صحة الأول التصريح به فى قوله (١) : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها). وفى الحديث : باسمك اللهم (٢) وضعت جنبى.
ومنها الصناعة النحوية ، كقولهم فى لا أقسم : التقدير لأنا أقسم ؛ لأن فعل الحال لا يقسم عليه. وفى (٣) : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) : التقدير لا تفتأ ، لأنه لو كان الجواب مثبتا لدخلت اللام والنون كقوله (٤) : (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ).
وقد توجب الصناعة التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه ، كقولهم فى لا إله إلا الله : إن الخبر محذوف ، أى موجود.
وقد أنكره الإمام فخر الدين ، وقال : هذا كلام لا يحتاج إلى تقدير ، وتقدير النحاة فاسد ، لأن نفى الحقيقة مطلقة أتم (٥) من نفيها مقيدة ، فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد. وإذا [٥٣ ا] انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر.
ورد بأن تقديرهم موجود يستلزم نفى كل إله غير الله قطعا ، فإن العدم لا كلام فيه ، فهو فى الحقيقة نفى للحقيقة مطلقة لا مقيدة. ثم لا بد من تقدير
__________________
(١) هود : ٤١
(٢) فى الإتقان : ربى.
(٣) يوسف : ٨٥
(٤) الأنبياء : ٥٧
(٥) فى الإتقان : أعم.