بجميع ما أوحى إليك وبلّغ (١) كل ما أمرت ببيانه ، وإن شقّ بعض ذلك على بعض القلوب فانصدعت ، والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصريح (٢) فى القلوب ، فيظهر أثر ذلك على ظاهر الوجوه من القبض والانبساط ، ويلوح عليها من علامات الإنكار أو الاستبشار ، كما يظهر على ظاهر الزجاجة المصدوعة ، فانظر إلى جليل هذه الاستعارة ، وعظيم إيجازها ، وما انطوت عليه من المعانى الكثيرة.
وقد حكى عن بعض الأعراب أنه لما سمع هذه الآية سجد وقال : سجدت لفصاحة هذا الكلام.
وقوله تعالى (٣) : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ). قال بعضهم : جمع بهاتين اللفظتين ما لو اجتمع الخلق كلهم على وصف ما فيها على التفصيل لم يخرجوا عنه.
وقوله (٤) : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) ـ قال : معناه كثير ، ولفظه يسير ؛ لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل به كان ذلك داعيا إلى ألا يقدم على القتل ؛ فارتفع بالقتل الذى هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض ، وكان ارتفاع القتل حياة لهم.
وقد فضّلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب فى هذا المعنى ، وهو قولهم : القتل أنفى (٥) للقتل ـ بعشرين وجها أو أكثر.
وقد أشار ابن الأثير (٦) إلى إنكار هذا التفضيل ، وقال : لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق ، وإنما العلماء يقدحون أفهامهم فيما يظهر لهم من ذلك.
__________________
(١) فى بديع القرآن : وبين ..
(٢) فى بديع القرآن : التصديع.
(٣) الزخرف : ٧١
(٤) البقرة : ١٧٩
(٥) قال فى البرهان : بنون وفاء ، ويروى بناء وقاف. ويروى : أو فى.
(٦) المثل السائر : (٢ ـ ٣٥٢).