ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ ، وبديع النظم ، وحسن السياق ، والمبادى [ه ب] والمقاطع ، والمخالص ، والتلوين فى الخطاب ، والإطناب والإيجاز ، وغير ذلك ؛ فاستنبطوا منه المعانى والبيان والبديع.
ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق جعلوا لها أعلاما اصطلحوا عليها ، مثل الفناء والبقاء والحضور ، والخوف ، والهيبة ، والأنس والوحشة ، وانقبض والبسط ، وما أشبه ذلك ـ (١) هذه الفنون التى أخذتها الملة الإسلامية منه.
وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل ، مثل الطب ، والجدل ، والهيئة ، والهندسة ، والجبر ، والمقابلة ، والنجامة ، وغير ذلك.
أما الطبّ فمداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة ؛ وذلك إنما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة. وقد جمع ذلك فى آية واحدة ، وهى قوله (٢) : (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً).
وعرّفنا فيه بما يفيد نظام الصحة بعد اختلاله ، وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله فى قوله (٣) : (شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ). ثم زاد على طب الأجساد طبّ القلوب وشفاء الصدور.
وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التى ذكر فيها ملكوت السموات والأرض وما بثّ فيها فى العالم العلوى والسفلى من المخلوقات.
وأما الهندسة ففي قوله (٤) : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ ...) الآية.
__________________
(١) هى كذلك فى الأصول ، والاتقان.
(٢) الفرقان : ٦٧
(٣) النحل : ٦٩
(٤) المرسلات : ٣٠