وتلمّحت طائفة ما فيه من قصص القرون السابقة والأمم الخالية ، ونقلوا أخبارهم. ودوّنوا آثارهم ووقائعهم حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء ، وسموا ذلك بالتاريخ والقصص.
وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التى تقلقل قلوب الرجال ، وتكاد تدكدك الجبال ؛ فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد ، والتحذير والتبشير ، وذكر الموت والمعاد ، والنشر والحشر ، والحساب والعقاب ، والجنة والنار ، فصولا من المواعظ ، وأصولا من الزواجر ؛ فسموا بذلك الخطباء والوعاظ.
واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير مثل ما ورد فى قصة يوسف فى البقرات السّمان ، وفى منامى صاحبى السجن ، وفى رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة ؛ وسموه تعبير الرؤيا ؛ واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب (١) ؛ فإن عزّ عليهم إخراجها منه فمن السنة التى هى شارحة للكتاب ، فإن عسر فمن الحكم والأمثال ، ثم نظروا إلى اصطلاح (٢) العوام فى مخاطباتهم وعرف عاداتهم الذى أشار إليه القرآن بقوله (٣) : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ).
وأخذ قوم ما فى آية المواريث من ذكر السّهام وأربابها وغير ذلك ، وسموه علم الفرائض ، واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثّمن حساب الفرائض ومسائل العول ، واستخرجوا منه أحكام الوصايا.
ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالة على الحكم الباهرة ، فى الليل والنهار ، والشمس والقمر ومنازله ، والنجوم والبروج ، وغير ذلك ؛ فاستخرجوا منه علم المواقيت.
__________________
(١) فى ب : الكتب.
(٢) فى ا : إصلاح.
(٣) الأعراف : ١٩٩