وذهب المعتزلة إلى أنّ معنى النّسخ (١)) يصحّ في شكر النّعمة ، لأنّه يجوز أن يفعل المنعم من الإساءة ما يوفّي على النّعمة ، فيبطل الشّكر عليها ، وذلك يصحّ على مذهبهم في الإحباط (٢) لا على ما نذهب إليه من فساد القول بالإحباط (٢) ، لأنّ
__________________
(١) زيادة من النسخة الثّانية.
(٢) ممّا يعدّ من الضّروريّات عند المسلمين كون الكفر يزيل استحقاق ثواب الطّاعات السابقة ، وأنّ الإيمان يزيل استحقاق عقاب المعاصي السابقة ، كما أنّه لا خلاف في استحقاق المكلّف للثواب والعقاب الأخرويين إذا تفرّد بالطّاعة أو تفرّد بالمعصية ، وأمّا إذا جمع بين المعاصي والطّاعات ففي هذا الحال أمّا أن تتساوى الطّاعات والمعاصي أو تزيد إحداهما على الأخرى ، ففي صورة التّساوي فإنّ المعتزلة متّفقون على عدم إمكان وقوعها لاستحالة استواء الثواب والعقاب عندهم ، ولأنه يلزم دخول العاصي للجنّة والمطيع إلى النّار (انظر استدلال القاضي عبد الجبّار في كتاب «شرح الأصول الخمسة» ص ٦٢٣). وأمّا في صورة زيادة الطّاعات على المعاصي أو العكس ، فقد اختلف المتكلّمون في أنّه هل يجوز اجتماع استحقاق العقاب والثّواب من غير أن يزيل ويحبط أحدهما الآخر أم لا؟ ، فالمعتزلة ترى أنّ الثواب يسقط بوجهين : أحدهما :
ندم الفاعل على ما أتى به من الطّاعات ، والثّاني : إتيانه بمعصية هي أعظم منه ، أي أنّ الأكثر يزيل الأقلّ ويسقطه ، وهذا هو معنى الإحباط والتكفير عندهم ، أي إنّ الأكثر يحبط الأقل ويكفّره. والمبدع لهذه النّظرية هو أبو علي الجبّائي ، فقد نسب إليه قوله : «إنّ من الذنوب صغائر وكبائر ، وإنّ الصغائر يستحقّ غفرانها باجتناب الكبائر ، وإنّ الكبائر تحبط الثواب على الإيمان ، واجتناب الكبائر يحبط عقاب الصغائر ...» [انظر مذاهب الإسلاميين للأشعري ط ريتر ص ٢٧٠ وط مصر ج ١ : ٣٠٥] وبعبارة أوضح حينما يكون العبد مطيعا وعاصيا في الدّنيا فإنّه يستحقّ العقاب والمدح الأخرويين ، لكن في بعض الحالات يكون عظم المعصية بحيث يترجّح جانب المعصية على الطّاعة ويزيلها فلا يستحق العبد إلّا العقاب والذّم.
وأمّا الرّأي السائد عند الإمامية : فهو عدم التحابط ، وأنّ المكلّف يعاقب على طاعته ويعاقب على عصيانه ، يقول الشّيخ المفيد : [أوائل المقالات : ٨٢ رقم ٦١] : «أقول : إنّه لا تحابط بين المعاصي والطّاعات ولا الثّواب ولا العقاب ، وهذا مذهب جماعة من الإماميّة والمرجئة ، وبنو نوبخت يذهبون إلى التحابط فيما ذكرناه ويوافقون في ذلك أهل الاعتزال». وقال المصنّف في «الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : ص ١٩٣» : «ولا تحابط عندنا بين الطّاعة والمعصية ولا بين المستحقّ عليهما من ثواب وعقاب ، ومتى ثبت استحقاق الثواب فإنّه لا يزيله شيء من الأشياء ، والعقاب إذا ثبت استحقاقه فلا يزيله شيء من الأشياء عندنا إلّا التفضّل» انظر : «الأحاديث الواردة في أصول الكافي ١ : باب الذنوب ص ٢٦٨ و ١ : باب الكبائر : ص ٢٧٦ ، كشف المراد : المسألة السابعة في الإحباط والتكفير ، مناهج اليقين في أصول الدّين : ٣٥٢ ، مذاهب