إلى قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ)(١) اقتضى كون المكلّف مخيّرا في الصّوم (٢) ، ثمّ حتّم ذلك وألزمه (٣) ، مع ما فيه من زيادة المشقّة على التّخيير ، ونسخ عن الزّاني المحصن الحدّ المذكور في القرآن (٤) بالرّجم (٥) مع ما فيه من زيادة الألم عند من لم يقل بالجمع بينهما.
على أنّ ما قالوه يقتضي ضدّ قولهم في الحقيقة ، لأنّه متى نسخ الحكم بما هو أشقّ منه كان مؤدّيا إلى ثواب زائد على ما يؤدّي إليه الأخفّ ، وصار في الحقيقة أخفّ عليه وأنفع له لعظم النّفع الّذي فيه ، ومن منع من ذلك فكأنه منع من أن يعرض الله تعالى المكلّف لتكليف زائد يؤدّيه إلى زيادة ثواب ، وهذا جهل.
فأمّا تعلّقهم بقوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً)(٦) وأنّه نبّه على أنّ من حقّ النّسخ أن يكون تخفيفا ، وبأنّ النّسخ مأخوذ من «الإزالة» فكلّ
__________________
(١) البقرة : ١٨٤.
(٢) وذلك في قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٥].
(٣) وذلك بقوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة : ١٨٥].
(٣) وذلك في قوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) [النّساء : ١٥].
(٥) روى الشّريف المرتضى في «رسالة المحكم والمتشابه» بإسناده عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام في حديث النّاسخ والمنسوخ : قال : «كان من شريعتهم في الجاهليّة أنّ المرأة إذا زنت حبست في بيت وأقيم بأودها حتّى يأتيها الموت ، وإذا زنى الرّجل نفوه عن مجالسهم ، وشتموه وآذوه وعيّروه ، ولم يكونوا يعرفون غير هذا ، قال الله تعالى في أوّل الإسلام (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ...) الآية ، فلمّا كثر المسلمون وقوى الإسلام واستوحشوا أمور الجاهليّة أنزل الله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية ، فنسخت هذه آية الحبس والأذى».
انظر : «وسائل الشّيعة : الباب الأوّل من حدّ الزنا من كتاب الحدود ، ح ١٩».
(٦) الأنفال : ٦٦.