ما كان ذهب في الإزالة كان من شرطه ، فيجب أن لا ينسخ بما هو أشقّ منه (١).
فما بيّناه من أنّ النّسخ تابع للمصلحة يسقط جميع ذلك ، ويعارض قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها)(٢) لأنّ هذه الآية تدلّ على أنّ ما يأتي به أشقّ من الأول ، أو في حكم الأشقّ حتّى يصحّ أن يكون خيرا منها ، ولم يمنع ذلك من جواز نسخ الشّيء بأخف منه ، فكذلك القول فيما تعلّقوا به من الآية.
وأمّا البداء فحقيقته في اللّغة هو «الظّهور» (٣) ولذلك يقال : «بدا لنا سور المدينة» ، و «بدا لنا وجه الرّأي» ، وقال الله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا)(٤) و (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا)(٥) ويراد بذلك كلّه : «ظهر».
وقد يستعمل ذلك في العلم بالشّيء بعد أن لم يكن حاصلا ، وكذلك في الظّن.
فأمّا إذا أضيفت هذه اللّفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ، ومنه ما لا يجوز :
فأمّا ما يجوز من ذلك ، فهو ما أفاد النّسخ بعينه ، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التّوسّع ، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصّادقين عليهماالسلام (٦) من الأخبار المتضمّنة لإضافة البداء إلى الله تعالى ، دون ما لا يجوز عليه ، من حصول العلم بعد أن لم يكن ، ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى والتّشبيه هو أنّه إذا كان ما يدلّ على النّسخ يظهر به للمكلّفين ما لم يكن ظاهرا لهم ، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا لهم ، أطلق على ذلك لفظ البداء.
__________________
(١) انظر : المصادر الواردة في هامش رقم (٥) صفحة ٤٩٢.
(٢) البقرة : ١٠٦.
(٣) قال ابن فارس : بدو ، الباء والدال والواو أصل واحد وهو ظهور الشّيء ، يقال بدأ الشّيء يبدو ، إذا ظهر.
انظر : «معجم مقاييس اللّغة ١ : ٢١٢ ، لسان العرب ١ : ٣٤٧ ، المصباح المنير ١ : ٤٠».
(٤) الجاثية : ٣٣.
(٥) الزمر : ٤٨.
(٦) انظر الأحاديث الواردة في كتاب أصول الكافي ١ : ١٤٦ باب البداء.