الغايات ، ولذلك لم يصحّ ما قاله بعض أصحاب الشّافعي من أنّ قوله تعالى : (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً)(١) لا يجوز أن يكون منسوخا بقوله : «قد جعل الله لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائة» (٢) الحديث ، لأنّ الآية وإن كانت مشروطة بالسّبيل ، فهي غاية غير معلومة إلّا بدليل لولاه لكان الحكم ثابتا فيه.
ويفارق ذلك تعليق الحكم بغاية يجب انقطاعه عندها ، كتعليقه بالموت لأنّ ذلك إنّما يزول بحصول ذلك لا بدليل آخر شرعيّ ، وهذا ظاهر.
ومن حدّ النّاسخ أن يكون في حكم المنسوخ في وقوع العلم به ، أو العمل ، على ما سنذكره من أنّ خبر الواحد لا ينسخ به الكتاب.
ومن شرطه أيضا : أن لا يكون قياسا ، ولا ما يجري مجراه من الأدلّة المستنبطة عند المخالف ، ونحن ندلّ على ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وليس من شرط النّاسخ ، أن يكون لفظ المنسوخ متناولا له ، لأنّه لا يمتنع أن تدلّ الدّلالة على أنّ المراد بالأمر المطلق تكرار الفعل ، فيكون سبيله سبيل الأمر المقيّد بما يقتضي التّكرار في أنّ النّسخ يصحّ فيه ، وعلى هذا النّسخ في الشّريعة ، لأنّه ليس شيء من ألفاظ المنسوخ ظاهره يقتضي التّكرار ، وإنّما علم ذلك من حاله بدليل ، وهذا بيّن لأنّه كما لا يمتنع نسخ الفعل وما شاكله من الشّرعيّات ، وإن لم يكن ذلك كلاما ، لا يمتنع أن يعلم بدليل أنّ المراد بالأمر التّكرار ، فيعترضه النّسخ.
ويفارق التّخصيص الّذي قد بيّنا أنّه لا يصحّ دخوله إلّا فيما يتناوله اللّفظ العام من هذا الوجه.
وليس من شرط النّاسخ أن لا يتأخّر عن المنسوخ ، كما قلنا في تخصيص العام ،
__________________
(١) النساء : ١٥.
(٢) أخرج الحديث مسلم والدارمي ، والتّرمذي ، وابن ماجة ، وأبو داود ، وابن حنبل ، كلّهم في كتاب الحدود ، انظر أيضا : تفسير التبيان ٣ : ١٤٣