وبيان المجمل عن وقت الحاجة ، بل هو بالعكس من ذلك في وجوب تأخّره عن المنسوخ على ما بيّناه.
وليس من شرطه أن يكون متناولا لجملة ، بل لا يمتنع أن يكون متناولا لما يصحّ نسخ الدّليل الشّرعيّ فيه ، وإن كان متناولا لحكم في عين واحدة ، ويفارق التّخصيص في ذلك(٢).
وفي النّاس من شرط في ذلك (١) أن لا يكون لفظه مقيّدا مقتضيا للتّأبيد ، فقال : لو قال الله تعالى : (افعلوا الصّلاة أبدا) لما ساغ نسخه ، وإنّما يجوز إذا أطلق ذلك (١) وهذا بعيد ، لأنّ لفظ التأبيد عندنا في الأمر لا يقتضي الدّوام على ما تعورف استعماله ، لأنّ قول القائل لغيره : «لازم غريمك أبدا» ، أو لابنه : «تعلّم العلم أبدا» لا يقتضي عندهم الدّوام. ويفارق ذلك حال الخبر الّذي يتناول ما يصحّ الإدامة فيه ، على أنّ الصّحيح في الخبر أيضا أنّه لا يفيد الإدامة ، ولأجل ذلك يمنع أصحاب الوعيد (٣) من التّعلّق بآيات الوعيد المتضمّنة للفظ التأبيد ، وإذا لم يقتض ذلك ، فكيف
__________________
(١) أي في المنسوخ.
(٢) رأي جمهور الفقهاء والمتكلّمين والأصوليين على جواز النّسخ وإن اقترن بالمنسوخ ذكر التأبيد ، إلّا أنّ بعض المتكلّمين قالوا : لا يجوز النسخ إلّا في خطاب مطلق ، فأمّا إذا قيّد بالتأبيد فلا يجوز نسخه ، وذهب إلى هذا الرّأي أعيان الحنفيّة كالقاضي أبي زيد الدّبوسي ، وأبي منصور الماتريدي ، والبزدوي ، والسرخسي ، وأبي بكر الجصّاص وغيرهم.
انظر : «التبصرة : ٢٥٥ ، الأحكام للآمدي ٣ : ١٢٣ ، شرح اللّمع ١ : ٤٩١ ، الذريعة ١ : ٤١٩ ، المعتمد ٢ : ٣٧٣ ـ ٣٧٠ و ٣٨٣ ـ ٣٨٢. أصول السرخسي ٢ : ٦٠».
(٣) الوعيد : التهديد ، وفي اصطلاح المتكلّمين التهديد بالخلود في النّار ، وقيل لا فرق بين الوعد والوعيد سوى أنّ الوعد صادر عن كرم والوعيد صادر عن غضب في الشّاهد ، وقد اختلف المتكلّمون فيمن يتوجّه إليه آيات الوعيد ، هل هم الكفّار خاصّة أم يشمل مرتكبي الذنوب من المسلمين؟ قال الشيخ المفيد في (أوائل المقالات : ٤٦) : «اتفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة ، ووافقهم على هذا القول كافة المرجئة سوى محمد بن شبيب وأصحاب الحديث قاطبة. وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وزعموا أنّ