فحاصل فيه على كلّ حال ، ألا ترى أنّه لا فرق في سقوط التّكليف بين زوال العقل أو حصول الموت والعجز ، وبين ورود النّهي عنه ، في أنّ في الحالين جميعا يسقط التّكليف؟ وإنّما يمنع ذلك من إجراء العبارة عليه على ما قلناه.
ومن شرط النّاسخ : أن يكون المراد به غير المراد بالمنسوخ ، لأنّه لو كان مرادا به لدلّ على البداء ، ولاقتضى ذلك كون الأمر أو النّهي قبيحا ، فعلى هذا يجب أن يكون النّاسخ دالا على أنّ ما تناوله لم يرد قطّ بالمنسوخ.
وبذلك يبطل قول من حدّ النّسخ بأنّه : «زوال الحكم بعد استقراره» ، لأنّ الحكم إذا استقرّ وثبت أنّه مراد ، لم يصحّ أن يرفع ، لما يؤدّي إليه من الفساد الّذي قلناه.
وبمثل ما قلناه يبطل قول من حدّ ذلك بأنّه : «رفع المأمور به بالنّهي عنه» لأنّه لو كان كذلك لوجب كونه مرادا بالأمر ، ومكروها بالنّهي ، وذلك يؤدّي إلى ما قدّمناه من الفساد.
ومن شرط النّاسخ أيضا : أن يكون منفصلا عن المنسوخ ، لأنّه إذا كان متّصلا به لم يوصف بأنّه ناسخ ، ألا ترى أنّه لا يقال : إنّ قوله تعالى : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)(١) نسخ للحظر المتقدّم ، لما كان متّصلا به.
ومن شرط المنسوخ : أن لا يكون موقّتا بوقت يقتضي ارتفاع ذلك الحكم ، لأنّ ما يكون كذلك لا يوصف بأنّه ناسخ ، ولذلك لا يقال الإفطار باللّيل ناسخ للصّوم بالنّهار ، ولكنّ الواجب أن ينظر في الغاية ، فإن كانت غاية معلومة كاللّيل ، لم يوصف الحكم المتعلّق بها بأنّه ناسخ ، وإن كانت ممّا لا يعلم إلّا بنصّ بأن يرد فتبيّن حاله ، ولولاه لوجب إدامة حكم النّص الأوّل ، فإنّه يوصف بأنّه ناسخ ، لأنّه جار مجرى قوله تعالى : (افعلوا كذا وكذا أبدا إلى أن أنسخه عنكم) ، وقد علم أنّ ما يرد من الدّلالة بعد ذلك يوصف بأنّه ناسخ ، وإن كان قد قيّد به الكلام الأوّل ، وكذلك ما جرى مجراه من
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢.