ولقيت أشراف (١) جيراني» ، فيقال له : «أضربت القصار من غلمانك أم لم تضربهم؟ ، ولقيت العامة من جيرانك أم لا تلقهم؟» ، فلو كان تعليق الحكم بالصّفة يقتضي وصف الحكم عمّا ليس له تلك الصّفة كاقتضائه ثبوته لما له تلك الصّفة ، لكان هذا الاستفهام قبيحا ، كما يقبح أن يستفهمه عن حكم ما تعلّق لفظه (٢) به ، فلو كان الأمران مفهومين من اللّفظ لاشتركا في حسن الاستفهام وقبحه.
فإن قيل : إنّما يحسن الاستفهام عن ذلك لمن لم يقل بدليل الخطاب ، فأمّا من تكلّم بما ذكرتموه من الذّاهبين إلى دليل الخطاب ، فإنّه (٣) لا يستفهم من مراده إلّا على وجه واحد ، وهو أن يكون أراد على سبيل المجاز والاستعارة خلاف ما يقتضيه دليل الخطاب ، فيحسن استفهامه لذلك.
قلنا : حسن استفهام كلّ قائل أطلق مثل هذا الخطاب معلوم ضرورة ، علمنا (٤) مذهبه في دليل الخطاب أم لم نعلمه.
فأمّا تجويزنا أن يكون المخاطب عدل عن الحقيقة إلى المجاز في الكلام الّذي حكيناه ، وأنّ هذا هو علّة حسن الاستفهام ، فباطل ، لأنّه يقتضي حسن دخول الاستفهام في كلّ كلام ، لأنّه لا كلام نسمعه إلّا ونحن نجوّز من طريق التّقدير (٥) أن يكون المخاطب به أراد المجاز ولم يرد الحقيقة ، وفي علمنا بقبح الاستفهام في كثير من المواضع دلالة على فساد هذه العلّة ، على أنّ المخاطب لنا إذا كان حكيما وأراد المجاز بخطابه ، قرن كلامه بما يدلّ على أنّه متجوّز به ولم يحسن منه إطلاقه (٦).
__________________
(١) في الأصل : شراف.
(٢) في المصدر : يتعلّق اللّفظ به.
(٣) في المصدر : فهو.
(٤) في المصدر : سواء علمنا مذهبه في دليل الخطاب أو شككنا فيه ، وأهل اللّغة يستفهم بعضهم بعضا في مثل هذا الخطاب ، وليس لهم مذهب مخصوص في دليل الخطاب.
(٥) في الأصل والنسخة الثانية (التقرير) والصّحيح ما أثبتناه من المصدر.
(٦) في المصدر : قرن به ما يدلّ على أنّه متجوّز ، ولا يحسن منه الإطلاق.