وكان أبو عليّ يقول (١) : إنّ تخصيص الخطاب إذا لم يكن بدليل ، ولا كان المخاطب به قد عرفه ، فإنّه لا يجوز أن يسمع العام ولا يسمع الخاصّ ، بل يصرفه (٢) عن سماع العام بضرب من الصّرف ، وإذا أسمعه ، أسمع معه الخاصّ ، وكان يعتلّ لذلك بأن يقول :
«إنّ خطابه إيّاه بالعامّ يبيح له اعتقاد ما لا يقتضيه ظاهره وذلك جهل ، ولا يجوز من الحكيم أن يبيح الجهل ، فيجب أن لا يحسن دون أن لا يسمعه الخاصّ ، وكان يقول إنّ ذلك بمنزلة خطاب العربي بالزّنجيّة ، لأنّ المراد به لا يصحّ أن يعلم في الحال».
وقد قال بهذا أبو هاشم أيضا ، وكان يقول في اسماع النّاسخ دون المنسوخ مثل ما ذكرناه أيضا (٣).
والّذي يدلّ على صحّة المذهب الأوّل : إنّا قد اتّفقنا على أنّه يجوز أن يخاطب بالعامّ وإن كان مخصوصا بدليل العقل ، وإن لم يستدلّ المخاطب على خصوصه ، بل يلزمه البحث عنه ، وإنّما حسن ذلك لأنّه متمكّن من معرفة ذلك ، فيجب أن يحسن أيضا أن يخاطب به ، وإذا كان له تخصيص في الأصول لم يسمع ، لما كان متمكّنا من معرفته بالنّظر في الأصول.
وما ذكرناه قد أسقط سائر ما قدّمناه (٤) ، لأنّه إذا جاز عند من خالف أن يخاطب بالعموم ، وإن لم يستدلّ على خصوصه بالعقل ، ولم يوجب ذلك إباحة الجهل ، والإجراء مجرى خطاب العربيّ بالزّنجيّة ، فكذلك لا يلزمنا وإن جوّزنا ما قدّمناه.
__________________
(١) انظر : «المعتمد ١ : ٣٣٢ ، الذريعة ١ : ٣٩١».
(٢) يصرف.
(٣) انظر : «المعتمد ١ : ٣٣٢».
(٤) قال المصنّف في صفحة ٣٠٤ : «إلّا أنّه ـ أي القديم تعالى ـ متى تكلّم بلفظ العام وأراد به الخاصّ ، فلا بدّ من أن يدلّ عليه ، ويقرن به ما يدلّ على تخصيصه ، وإلّا كان موجبا لاعتقاد الجهل».