فأمّا تعلّقهم في المنع من ذلك بحمله على قبح تأخير البيان ، فعندنا أنّ تأخير البيان يجوز عن وقت الخطاب ، وإنّما لا يجوز عن وقت الحاجة ، وكذلك نقول في التّبليغ ، فسقط بذلك ما قالوه.
ومن منع من ذلك في تأخير البيان فرّق بينهما بأن قال : إنّما قبح تأخير البيان لشيء يرجع إلى حال الخطاب ، وإلى أن لا يستفاد به شيء ، وذلك وجه قبح (١).
فأمّا تأخير التّبليغ فليس كذلك ، لأنّه إذا لم يبلّغ لا يخاطب أصلا ، فكيف يكون ذلك قبيحا؟.
وأيضا : فإذا جاز أن يؤخّر الله تعالى خطاب المكلّف إلى الوقت الّذي يعلم مصلحته فيه ، فكذلك الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فأمّا تعلّقهم بقوله : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ)(٢) ، فإنّما يقتضي وجوب التّبليغ على الوجه الّذي أمر به ، وليس في ذلك منع من جواز التّأخير (٣).
وأمّا تأخير البيان عن وقت الحاجة : فلا خلاف أنّه لا يجوز (٣) ، والوجه في ذلك ، أنّ تأخيره عن وقت الحاجة يجري مجرى تكليف ما لا يطاق ، لأنّه يتعذّر عليه فعل ما كلّف ، وذلك يمنع من صحّة الأداء ، لأنّ الأداء لا يصحّ إلّا بعد أن يعرف المكلّف ما كلّف ، أو يتمكّن من معرفته ، أو معرفة ما يجب عليه من سببه ، ويصحّ أداؤه معه.
وأمّا تأخير التبيّن عن وقت الحاجة : فجائز ، لأنّ المكلّف يجوز أن يخطأ فلا يتبيّن ولا يوجب ذلك قبح الخطاب ، لأنّه لم يؤت في ذلك من قبل المكلّف ، وإنّما أتى من قبل نفسه ، وذلك لا يقبح التّكليف.
__________________
(١) انظر التعليقة رقم (١) صفحه ٤٤٩.
(٢) المائدة : ٦٧
(٣) انظر المصادر الواردة في التّعليقة رقم (١) صفحة ٤٤٩.