شيئا منها لا يصحّ أن يعلم صحّة السّمع.
وإنّما قلنا ذلك : لأنّه متى لم يعلم ما قلناه ، لم نأمن أن يكون الّذي فعل المعجز غير الحكيم ، وأنّه ممّن يجوز عليه تصديق الكذّاب ، فلا نثق بصحّة السّمع.
وأمّا ما يصحّ أن يعلم بالسّمع والعقل معا : فنحو أنّ الله تعالى لا يجوز عليه الرّؤية على الحدّ الّذي يجوّزها الأشعريّ وأصحابه (١) عليه ، لأنّ نفي ذلك يصحّ أن
__________________
(١) إنّ مسألة جواز رؤية الله تعالى وعدمه تعدّ من موارد النّزاع والخلاف وتضارب الآراء بين الأشاعرة والعدليّة ، أمّا الأشعري وأصحابه فقد أجمعوا على جواز رؤية الله تعالى ، وأنّ المؤمنين يرون ربّهم في الجنّة بلا كيف ولا تشبيه ولا تحديد!! وعدّوا رؤية المؤمنين له تعالى من أعلى العطايا وأسنى الكرامات الّتي يمنحها الله تعالى لهم ، وقالوا إنّها هي الزّيادة المذكورة في قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] ، ولم يكتفوا بهذا المقدار بل قالوا : إنّ للإنسان لمسه وذوقه وشمّه!! وأقاموا على دعواهم الحجج العقليّة والسمعيّة ، وأنكروا تأويل العدليّة للآيات الدّالة على جواز الرؤية ، وإليك خلاصة رأي الأشاعرة وحججهم كما أوردها عبد القاهر الجرجاني في كتابه «أصول الدّين : ٩٨ ـ ٩٧» وهي نصّ كلام الأشعري في كتابيه «الإبانة» و «اللّمع» دون أن يضيف إليهما شيئا جديدا ، يقول : «قال أصحابنا : أجمع أهل الحقّ على أنّ الله راء برؤية أزليّة ، يرى بها جميع المرئيّات ، ولم يزل رائيا لنفسه ، واختلف أصحابنا فيما يجوز كونه مرئيّا ، فقال أبو الحسن الأشعري : يجوز رؤية كلّ موجود وأحال رؤية المعدوم. وقال عبد الله بن سعيد والقلانسي بجواز رؤية ما هو قائم بنفسه وأحالا رؤيته ، ومنعا من رؤية الأعراض ، وزعم البغداديّون من المعتزلة أنّ الله لا يرى شيئا ، وتأوّلوا ما في القرآن من ذكر رؤيته وبصره على معنى أنّه عامل بالأشياء ، وزعم البصريون منهم أنّ الله يرى غيره ولا يرى نفسه ويستحيل أن يكون مرئيّا».
أمّا الإماميّة : فقد أنكروا القول بالرؤية وجوازها ، يقول الشّيخ المفيد : «لا يصحّ رؤية الباري سبحانه بالأبصار ، وبذلك شهد العقل ونطق القرآن وتواتر الخبر عن أئمّة الهدى من آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليه جمهور أهل الإمامة وعامّة متكلميهم إلّا من شذّ منهم لشبهة عرضت له في تأويل الأخبار ، والمعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك ، وجمهور المرجئة وكثير من الخوارج والزّيديّة وطوائف من أصحاب الحديث ، يخالف فيه المشبّهة وإخوانهم من أصحاب الصفات».
انظر : «أصول الدّين للجرجاني : ٩٨ ـ ٩٧ ، الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : ٧٤ ، أوائل المقالات : ٥٧ ، الاعتقاد للبيهقي : ٥٨ ، الإنصاف للباقلاني ٢٠٠ ، المعتمد في أصول الدّين للخوارزمي : ٤٠٧ ، مذاهب الإسلاميين ١ : ٥٥٤ ـ ٥٤٨ ، وأيضا لاحظ آراء المذاهب الإسلاميّة حول هذا الموضوع في كتاب (مقالات الإسلاميين) لأبي الحسن الأشعري».