فذهب أبو عليّ ، وأبو هاشم إلى أنّه لم يتعبّد في الشّرعيّات بذلك ، ولا وقع منه الاجتهاد فيها ، وأوجب (١) كونه متعبّدا بالاجتهاد في الحروب (٢).
وحكي عن أبي يوسف القول بأنّ النّبي عليهالسلام قد اجتهد في الأحكام (٣).
وذكر الشّافعي في كتاب «الرّسالة» ما يدلّ على أنّه يجوّز أن يكون في أحكامه ما قاله من جهة الاجتهاد (٤).
وادّعى أبو عليّ الإجماع على أنّه لم يجتهد النّبي عليهالسلام في شيء من الأحكام (٥).
واستدلّ أيضا على ذلك بأن قال : لو اجتهد في بعض الأحكام لم يجب أن يجعل أصلا ولا يكفّر من ردّه ، بل كان يجوز مخالفته كما يجوز مثل ذلك في أقاويل المجتهدين ، فلمّا ثبت كفر من ردّ بعض أحكامه وخالفه ، وساغ جعل جميعها أصولا ، دلّ على أنّه حكم به من جهة الوحي (٦).
وهذا الدّليل ليس بصحيح ، لأنّه لا يمتنع أن يقال : إنّ في أحكامه ما حكم به من جهة الاجتهاد ، ومع ذلك لا يسوغ مخالفته من حيث أوجب الله تعالى اتّباعه
__________________
٢ ـ عدم الجواز : وهو مذهب بعض الشافعيّة ، وأبي عليّ الجبّائي ، وابنه أبي هاشم ، وابن حزم.
٣ ـ التّوقّف : وهو مذهب بعض الأصوليين كالباقلاني ، والغزالي ، وقد نسب للشّافعي أيضا.
٤ ـ التّفصيل : حيث جوّزوه في أمور الحرب دون الأحكام الشّرعيّة ، وفصل آخرون وقالوا بالجواز فيما لا نصّ فيه.
انظر : «الرسالة : ٤٨٧ ، التبصرة : ٥٢١ ، المعتمد ٢ : ٢٤٢ ، المستصفى ٢ : ٣٥٥ ، الأحكام للآمدي ٤ : ٣٩٨ ، إرشاد الفحول : ٣٧٩ ـ ٣٧٨ ، اللّمع : ١٢٦ ، أصول السرخسي ٢ : ٩١ ، ميزان الأصول ٢ : ٦٧٨ ، شرح المنهاج ٢ : ٨٢٣ ، روضة النّاظر : ٣٢٢ ، المنخول : ٤٦٨».
(١) أوجبنا.
(٢) المعتمد ٢ : ٢٤٠.
(٣) المعتمد ٢ : ٢٤٠.
(٤) الرسالة : ٥٠٣ ـ ٤٨٧.
(٥) المعتمد ٢ : ٢٤١.
(٦) المعتمد ٢ : ٢٤٢ ، انظر أيضا المصادر الواردة في التّعليقة رقم (٤) صفحة ٧٣٣.