وسوّى في ذلك اتّباعه بين ما قاله بوحي ، وبين ما قال من جهة الاجتهاد ، كما يقول من قال إنّ الأمّة يجوز أن تجمع على حكم من طريق الاجتهاد وإن كان لا يجوز خلافه ، وإذا ثبت ذلك لم يمكن التّعلّق بما حكينا.
ويمكن أن يستدلّ على ذلك بقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)(١) فحكم بأنّ جميع ما يقوله وحي يوحى ، فينبغي أن لا يثبت بعض ذلك من جهة الاجتهاد.
والمعتمد ما قلناه أوّلا من عدم الدّليل على ورود العبادة بالقياس والاجتهاد في جميع المكلّفين ، وعلى جميع الأحوال.
وأمّا من حضر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : فذهب أبو عليّ إلى أنّه لا يجوز أن يجتهد ، ويجوز ذلك لمن غاب (٢).
ومن النّاس من يقول : إنّ لمن حضر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا أن يجتهد (٢) ، ويستدلّ على ذلك بخبر يروى أنّ النّبي عليهالسلام أمر عمرو بن العاص وعقبة بن عامر (٣٤) أن يقضيا بحضرته بين خصمين ، وقال لهما : «إن أصبتما فكلما عشر حسنات ، وإن أخطأتما فكلما حسنة» (٤).
وهذا خبر ضعيف من أخبار الآحاد الّتي لا تعتمد في مثل هذه المسألة ، لأنّ طريقها العلم.
والمعتمد في هذه المسألة أيضا ما قدّمناه من عدم الدّليل على ورود العبادة بالقياس والاجتهاد ، وذلك عامّ في جميع الأحوال.
__________________
(١) النّجم : ٣ و ٤.
(٢) المعتمد ٢ : ٢٤٢ ، انظر أيضا المصادر الواردة في التّعليقة رقم (٤) صفحة ٧٣٣.
(٣) هو عقبة بن عامر الجهني ـ صحابيّ. انظر ترجمته في : «الإصابة ٤ : ٢٥٠ ، تهذيب التّهذيب ٧ : ٢١٦ ، التّاريخ الصّغير ١ : ١٥٠».
(٤) كنز العمّال ٦ : ٩٩ ـ ١٠٠ حديث رقم ١٥٠٨ ، ١٥٠١٩ ، ١٥٠٢٠ ، ١٥٠٢٢ ، المغني ١١ : ٣٧٥.