على أنّه يقال للمتعلّق بهذه الطّريقة : أليس إنّما اجتهدت عند الغيبة في القبلة لما ثبت بالنّص حكم لا سبيل لك إلى معرفته إلّا بالاجتهاد؟
فإذا اعترف بذلك قيل له : فثبت في الفرع أنّه لا بدّ فيه من حكم لا يمكن معرفته إلّا بالاجتهاد حتّى يتساوى الأمران؟ ولا سبيل لك إلى ذلك.
وقد علمت أنّ في نفاة القياس من يقول أنّ حكم الفروع معلوم عقلا ، وفيهم من يقول أنّه معلوم بالنّصوص إمّا بظواهرها أو بأدلّتها ، وبعد فليس مثبت القياس بأن يتعلّق بالقبلة في إثبات الحكم للفرع قياسا على الأصل بأولى من نافي النّاس إذا تعلّق بها في حمل الفرع على الأصل ، في أنّه لا يثبت له حكم إلّا بالنّصّ.
ومتى قيل له : فاجمع بين الأمرين؟ امتنع لتنافيهما.
ومتى قيل له : الإثبات أرجح وأدخل في الفائدة.
قال : هذا إنّما يصحّ فيما قد ثبت وصحّ ، لا فيما الكلام واقع فيه.
واستدلّوا : بما روي عنه عليهالسلام من قوله للخثعميّة : «أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت تقضينه؟ قالت : نعم ، قال : فدين الله أحقّ وأولى أن يقضى» (١) ، ويقوله لعمر حين سأله عن القبلة للصّائم : «أرأيت لو تمضمضت بماء أكنت شاربه» (٢)؟
وقوله في حديث أبي هريرة حين سأله السّائل عن رجل ولد له غلام أسود فقال له : «ألك إبل؟ قال : نعم ، قال : ما ألوانها؟ قال : حمر ، قال : فيها أورق (٣)؟ قال :
__________________
(١) رواها البخاري ، ومسلم وأبو داود ، ومالك في الموطأ ، والتّرمذي ، والنّسائي عن ابن عبّاس عن أخيه الفضل بن عبّاس عن امرأة أو رجل من خثعم استفتت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم راجع : جامع الأصول ٣ : ٤١٨ وكنز العمّال ٥ : ١٢٣ رقم ١٢٣٣١ ، ١٢٨٥١ ، ١٢٨٥٦ ولفظ الحديث فيه : (أكنت قاضيه ، قاضيا عنه).
انظر أيضا : المصادر الواردة في هامش رقم (٢) صفحة ٦٦٦.
(٢) كنز العمّال ٨ : ٦١٥ رقم ٢٤٤٠١ ولفظ الحديث فيه (أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟.).
(٣) الأورق : الّذي لونه بين السواد والغبرة ، وقال الأصمعي : الأورق الّذي في لونه بياض إلى سواد. غريب الحديث للهروي ١ : ٢٦١ و ٢ : ٢٠٧.