إجماعهم على نفس القول بالقياس والاجتهاد ، بل رجعوا إلى إجماعهم في طلب الأحكام من جهة الشّرع.
وفي الطّريقة الأولى اعتبروا إجماعهم على نفس القول بالقياس.
فيقال لهم : في الحوادث حكم لكنّه ما كان في العقل ، أو فيها حكم ولم يكلّف معرفته ، أو لا حكم فيها جملة ، فكلّ ذلك جائز لا مانع منه.
وأمّا تعلّقهم بهذه الطّريقة على الوجه الثّاني ، فمبنيّ على أنّه لا نصّ يدلّ بظاهره ولا دليله على أحكام الحوادث ، فيجب لذلك الرّجوع إلى القياس فيها ، ودون ما ظنّوه خرط القتاد ، لأنّا قد بيّنا أنّ جميع ما اختلفت فيه الصّحابة من الأحكام له وجوه في النّصوص ، وأنّما لا يقف على وجهه بعينه يمكن أن يكون له وجه ، وأنّ القطع على انتفاء مثل ذلك لا يمكن بما يستغني عن إعادته.
على أنّ أكثر ما في هذا أن يكون جميع الحوادث الّتي علمنا طلبهم فيها للأحكام من جهة الشّرع لا يدخل حكم العقل فيها ، فإنّه لا بدّ فيها من حكم شرعيّ ، ثمّ نقول : إنّهم ما رجعوا فيما طلبوه من جهة الشّرع إلّا إلى النّصوص ، وعلى من ادّعى خلاف ذلك الحجّة.
من أين لهم أنّ جميع ما يحدث إلى يوم القيامة هذا حكمه؟ وأنّه لا بدّ من أن يكون المرجع فيه إلى الشّرع؟ ولا يجوز أن يحكم فيه بحكم العقل؟ ولم إذا كانت الحوادث الّتي بليت به الصّحابة لها مخرج في الشّريعة وجب ذلك في كلّ حادثة؟ وهل هذا إلّا تمنّ وتحكّم.؟
على أنّه قد روي عن بعضهم ما يقتضي أنّه رجع إلى حكم العقل في مسألة الحرام ، وهو مسروق (١) لأنّه جعل مسألة الحرام بمنزلة تحريم قصعة من ثريد ممّا يعلم بالعقل إباحته.
واستدلّ الشّافعي وجماعة معه على ذلك بالقبلة ، قالوا : لمّا وجب طلبها بما
__________________
(١) راجع كلام المصنّف في صفحة ٦٧٦ و ٦٧٧ واختلاف الفقهاء في مسألة الحرام.