معنى يغلب على الظن أنّه علّة الحكم.
وللمخالف أن يقول لهم : إنّ الأرزّ ليس بمشابه للبرّ ، ولا النّبيذ التّمري يشابه الخمر ، ولا بينهما شبه يوجب التّساوي في الحكم ، والخبر إنّما تناول المساواة بين المشتبهين ولا اشتباه هاهنا.
فإن قالوا : هاهنا اشتباه مظنون.
قلنا : ليس في الخبر عمل على ما تظنّه مشتبها قال : «اعرف الأشباه والنّظائر» وذلك يقتضي حصول العلم بالاشتباه.
على أنّ الأمر الّذي يقع به التّشابه في الحكم غير مذكور في الخبر ، فإن جاز لهم أن يدّعوا أنّه عنى المشابهة في المعاني الّتي يدّعيها القائسون كالكيل في البرّ والشّدّة في الخمر ، جاز لخصومهم أن يدّعوا أنّه أراد المشابهة في إطلاق الاسم واشتمال اللّفظ ، فيكون ذلك دعامته إلى القول بحمل اللّفظ على كلّ ما تحته من المسمّيات لتساويها في تناول اللّفظ ، فكأنّه تعالى إذا قال : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(١) وعلم أنّ كلّ سارق يقع عليه هذا الاسم وشارك سائر السّراق في تناول اللّفظ ، وجب التّسوية بين الجميع في الحكم ، إلّا أن تقوم دلالة.
واستدلّوا أيضا : بأن قالوا : إذا ثبت في أنّه لا بدّ في الفروع الشّرعيّة من حكم ، ولا نصّ ولا دليل على حكم ما يجب أن يكون متعبّدين فيها بالقياس.
وربّما استدلّوا بهذه الطّريقة من وجه آخر فقالوا : قد ثبت عن الصّحابة أنّهم رجعوا في طلب أحكام الحوادث إلى الشّرع ، فإذا علم ذلك من حالهم في جميع الحوادث على كثرتها واختلافها ، وصحّ أنّه لا نصّ يدل على هذه الأحكام بظاهره ولا دليله ، فليس بعد ذلك إلّا القياس والاجتهاد ، لأنّ التبخيت والقول بما اتّفق يمنع منه العقل.
وهذا الاستدلال يخالف الطّريقة الأولى ، لأنّهم لم يرجعوا في هذا إلى
__________________
(١) المائدة : ٣٨.