قلنا : ليس يجب حمل الكلام على عمومه عند أكثر أصحابنا ، فعلى هذا المذهب سقط هذا الكلام.
على أنّهم لا يقولون بذلك ، لأنّ القياس والاجتهاد عندهم من المفهوم بالكتاب والسنّة وهما لا يدلّان عليه ، فكيف يصحّ حمل قوله : «فإن تجد» على العموم؟ وهذا يقتضي أنّهم قائلون في النّفي أيضا بالخصوص ، فكيف عابوه علينا؟
وبعد ، فإن جاز إثبات القياس بمثل خبر معاذ ، فإنّ من نفاه يروي ما هو أقوى منه وأوضح لفظا ، نحو ما روي عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «ستفترق أمّتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمّتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرّمون الحلال ويحلّلون الحرام» (١).
والرّوايات في هذا كثيرة ومن تتبّعها وجدها.
فأمّا خبر ابن مسعود الّذي ذكروه ، فالكلام عليه كالكلام على خبر معاذ بعينه.
فأمّا كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ وقوله : «اعرف الأشباه والنّظائر وقس الأمور برأيك» (٢) فأضعف في باب الرّواية من خبر معاذ ، وأبعد من أن يتعلّق به في مثل هذا الباب! على أنّه إذا سلّم لم يكن فيه دلالة ، وذلك أنّ القياس الّذي دعاه إليه هو إلحاق الشّيء بشبهه ، ولهذا قال : «اعرف الأشباه والنّظائر» ، والمشابهة الموجبة للقياس وحمل الشّيء على نظيره إنّما هي المشاركة في أمر مخصوص به تعلّق الحكم ، فمن عرف ذلك وحصّله وجب عليه الجمع به بين الأصل والفرع ، وهذا المقدار لا ينازعون فيه ، ولكن لا سبيل إلى معرفته. ولو أمكن فيه ما يدّعونه من الظّن لم يكن في الخبر أيضا دلالة لهم ، لأنّه ليس فيه الأمر بقياس النّوع على الأصل إذا شاركه في
__________________
(١) المستدرك على الصّحيحين ٣ : ٥٤٧ ، كنز العمّال ١ : ١٠٥٦ ، ١٠٥٧ ، ١٠٥٨ ، انظر أيضا المصادر الواردة في هامش رقم (٢) صفحة ٦٦٦.
(٢) راجع المصادر الواردة في هامش رقم (٢) صفحة ٦٦٦.