فأمّا ادّعاؤهم ثبوت عملهم بالقياس ، وأنّه يجب أن يكون لهذا الخبر لأنّه لا نصّ غيره ، فبناء على ما لم يثبت ولا يثبت ، وقد بيّنا بطلان ما ظنّوه دليلا على إجماعهم على ذلك.
ولو سلّم لهم على ما فيه ، لجاز أن يكونوا أجمعوا لبعض ما في الكتاب أو لخبر آخر ، على أنّهم قد اعتمدوا في تصحيح الخبر على ما إذا صحّ لم يحتج إلى الخبر ، ولم يكن دليلا على المسألة ، لأنّا إذا علمنا إجماعهم على القياس والاجتهاد ، فأيّ فقر بنا إلى تأمّل خبر معاذ؟ وكيف يستدلّ به على ما قد علمناه لغيره؟
فان قالوا : نعلم بإجماعهم صحّة الخبر ويصير الخبر دليلا ، كما أنّ إجماعهم دليل ، ويكون المستدلّ مخيّرا في الاستدلال بأيّهما شاء.
قلنا : لسنا نعلم بإجماعهم صحّة الخبر إلّا بعد أن نعلم أنّهم أجمعوا على القياس والاجتهاد ، وعلمنا بذلك يخرج (١) الخبر من أن يكون دلالة وإنّما كان يمكن ما ذكروه لو جاز أن يعلم إجماعهم على صحّة الخبر من غير أن يعلم إجماعهم على القول بالقياس ، وذلك لا يصحّ.
على أنّا إذا تجاوزنا ذلك ولم نعرض للكلام في أصل الخبر ووروده ، لم يكن فيه دلالة ، لأنّه قال : «أجتهد رأيي» ولم يقل في ما ذا؟ ولا ينكر أن يكون معناه أجتهد رأيي حتّى أجد حكم الله تعالى في الحادثة من الكتاب والسنة إذا كان في أحكام الله فيهما ما لا يتوصّل إليه إلّا بالاجتهاد ولا يوجد في ظواهر النّصوص ، فادّعاؤهم أنّ إلحاق الفرع بالأصل في الحكم لعلّة يستخرجها القياس هو الاجتهاد زيادة في الخبر بما لا دليل عليه ولا سبيل إلى تصحيحه.
فإن قالوا : ما يوجد في دليل النّص من كتاب أو سنّة فهو موجود فيهما ، وقوله : «فإن لم يجد» يجب أن يحمل على عمومه ، وعلى أنّه لم يجد على كلّ حال ، وإذا حمل على ذلك ، فليس وراءه إلّا الرّجوع إلى القياس الّذي تقوله.
__________________
(١) في الأصل : خروج.