مشاقّة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يستحقّ بها الوعيد إذا انفردت عن اتّباع غير سبيل المؤمنين.
ولو خلّينا وظاهر الآية لما علّقنا الوعيد إلّا على من جمع بينهما ، لكنّا علمنا بالدّليل أنّ مشاقّة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يستحقّ بها على الانفراد الوعيد ، فلأجل ذلك قلنا به.
فأمّا ضمّ المباحات إلى مشاقّة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّما لم يجز لأنّا قد علمنا أنّ حكم المباحات عند الانضمام حكمها عند الانفراد في أنّه لا يستحقّ بها الوعيد ، وقد كان يجوز أن يستحقّ بها الوعيد إذا انضمّ إلى المشاقّة ، ولم يكن ذلك بأبعد من شيئين مباحين على الانفراد ، فإذا جمع بينهما صارا محظورين ، ألا ترى أنّه يجوز للحرّ المسلم العقد على ثلاث من النّسوة على الانفراد ، وعلى امرأتين أيضا على الانفراد ، ولا يجوز له أن يجمع في عقد واحد ثلاثا وثنتين لأنّ ذلك محظور ولذلك نظائر كثيرة في الشّرع ، لكنّ هذا وإن كان جائزا علمنا أنّه لم يثبت ، لأنّا علمنا أنّ فعل شيء من المباحات من الأكل والشّرب وإن انضمّ إلى مشاقّة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّه لا يستحقّ به الوعيد ، فلأجل ذلك لم يجز ضمّ ذلك إلى المشاقّة.
وتعلّقوا أيضا بقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(١).
قالوا : «والوسط» العدل ، ولا يكون هذه حالهم إلّا وهم خيار ، لأنّ الوسط من كلّ شيء هو المعتدل منه ، وقوله تعالى : (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ)(٢) المراد به خيرهم ، وعلى هذا الوجه يقال : إنّه عليهالسلام من أوسط العرب ، يعني بذلك من خيرهم.
وأيضا : فإنّه جعلهم كذلك ليكونوا : (شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)(٣) كما أنّه عليه
__________________
(١) البقرة : ١٤٣.
(٢) القلم : ٢٨.
(٣) البقرة : ١٤٣.