لأنّ لمخالفه أن يقول : وإذا لم يكن فيها دليل على عموم الأعصار ، وجب حملها على أهل عصر واحد ، وهو حال زمن الصّحابة على ما ذهب إليه داود (١) ، وإلّا فما الفصل؟
وسادسها (٢) : أنّ قوله تعالى (الْمُؤْمِنِينَ) لا يخلو أن يريد به المصدّقين بالرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو المستحقّين للثّواب على الله تعالى (٣) ، فإن كان الأوّل بطل ، لأنّ الآية تقتضي التّعظيم والمدح لمن تعلّقت به من حيث أوجب اتّباعه ، ولا يجوز أن يتوجّه إلى من لا يستحقّ التّعظيم والمدح ، وفي الأمّة من يقطع على كفره (٤) وأنّه لا يستحقّ شيئا منهما ، ولأنّه كان يجب لو كان المراد «بالمؤمنين» المصدّقين دون المستحقّين للثّواب أنّ يعتبر في الإجماع دخول كلّ مصدّق في شرق وغرب ، فبهذا يعلم تعذّره ، وعموم القول يقتضيه ، وليس يذهب أكثر المخالفين إليه (٥).
وإن أراد «بالمؤمنين» مستحقّي الثّواب والمدح والتّعظيم ، فمن أين ثبوت مؤمنين (٦) بهذه الصّفة في كلّ عصر يجب اتّباعهم؟
ويجب أيضا : ألا يثبت الإجماع إلّا بعد القطع على أنّ كلّ مستحق للثّواب في برّ وبحر وسهل وجبل قد دخل فيه ، لأنّ عموم القول يقتضيه ، وهذا يؤدّي إلى أن لا
__________________
(١) راجع قول داود الظاهري في بعض المصادر المذكورة في هامش رقم (١) صفحة ٦٠١.
(٢) الوجه السّادس منقول عن استدلال الشّريف المرتضى في كتابه (الشّافي في الإمامة ١ : ٢١٨).
(٣) في المصدر : أو المستحقّين للثواب على الحقيقة.
(٤) إنّ الإمامية تعتقد بكفر وضلال جماعة ممّن آمنوا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصدّقوه في دعوته وهم المنافقون ، والنّاكثون والقاسطون من أهل البصرة والشّام أجمعين ، والخوارج على أمير المؤمنين ، وكلّ من أنكر إمامة أحد الأئمّة وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطّاعة ، وجميع أصحاب البدع ، فهؤلاء كفّار ، ضلال ، ملعونون ، وفي النّار بظلمهم مخلّدون.
انظر : «أوائل المقالات : ص ٤١ و ٤٢ و ٤٣ و ٤٤ و ٤٩».
(٥) في المصدر : «وليس يذهب صاحب الكتاب وأهل نحلته إلى هذا الوجه» ويقصد به القاضي عبد الجبّار الهمداني وجماعة المعتزلة.
(٦) في المصدر : مؤمن.