وأمّا من نصر خلاف ما ذهبنا إليه ، فقد حكى عبد الجبّار (١) عن أبي عبد الله البصريّ : «أنّه ربّما جمع بين قول : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)(٢) ، وبين قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(٣) ، وقول النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الجار أحقّ بصقبه» (٤) «وفيما سقت السّماء العشر» (٥) في امتناع التّعلّق بظاهرها مرّة ، وربّما فرّق بينهما أخرى ، ويقول عند الفصل بينهما :
«إنّ العشر متعلّقٌ بما سقته السّماء ، والّذي يحتاج إلى بيانه صفة الأرض لا صفته ، فهو كالحاجة إلى بيان صفة المخاطب في أنّه لا يمنع من التّعلّق بالظّاهر.
وأمّا (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)(٢) ، فالحاجة إنّما هي إلى بيان صفته ، فهو كالحاجة الّتي يتعلّق القطع بها من اعتبار القدر وغير ذلك ، فلذلك امتنع التّعلّق بالظّاهر.
ويقول : الصّفة المتعلّق بها في الشّرك هي في إسقاط قتله لا في إثبات قتله ، والصّفة المعلّق بها في السّارق هي في إثبات قتله ، فلذلك افترقا.
وربّما يقول في الجميع : إنّ التّعلّق بظاهره لا يمكن ، وإنّ الواجب ألّا يعترض على الأصول بالفروع ، بل يجب بناؤها عليه» (٦).
وهذه ألفاظه بعينها ذكرناها.
وقد قلنا في هذه الأمثلة ما عندنا وقلنا : في أنّ قوله : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)(٢) ،
__________________
(١) أي القاضي عبد الجبّار المعتزلي.
(٢) المائدة : ٣٨.
(٣) التوبة : ٥.
(٤) كنز العمّال ٧ : ص ٧ رقم ١٧٧٠٠. الصقب : القرب والملاصقة ، ويروى بالسّين والمراد به الشفعة. (النهاية ٣٠ ـ ٤١ ، غريب الحديث ١ : ٣٣٧).
(٥) كنز العمّال ٧ : ٣٢٨ رقم ١٥٨٨٠.
(٦) لخّص أبو الحسين البصري (المعتمد : ١ ـ ٢٦٦ ـ ٢٦٥) مذهب أبي عبد الله البصري الملقّب بالجعل بقوله : «قال الشّيخ أبو عبد الله : إن كان المخصّص والشرط قد منعا من تعلّق الحكم بالاسم العام وأوجبنا تعلّقه بشرط لا ينبئ عنه الظّاهر ، لم يجز التّعلّق به عنه. وإن لم يمنعا من تعلّقه بالاسم العام فإنّه يصحّ التّعلّق به ...».