وأمّا تاريخ النّاسخ والمنسوخ فيعرف من وجوه :
أحدها : أن يكون في لفظ النّاسخ ما يدلّ على أنّه بعده مثل ما قدّمنا ذكره (١).
ومنها : أن يكون النّاسخ مضافا إلى وقت أو غزاة يعلم أنّه بعد وقت المنسوخ.
ومنها : أن يكون المعلوم من حال الرّاوي لأحدهما أنّه صحب الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ما صحبه الآخر ، أو عند صحبته انقطعت صحبة الأوّل ، أو المعلوم من حال الحكم الأوّل أنّه كان في وقت قبل وقت صحبة الثّاني ، وذلك نحو ما روي في حديث قيس بن طلق أنّه جاء إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يؤسّس المسجد ، فسأله عن مسّ (٢) الذّكر ، ومعلوم من حال أبي هريرة أنّه صحب
__________________
عليه واجب يوصي بالخروج منه ... فأمّا الوصيّة بجزء من ماله فليست بواجبة على أحد في قول الجمهور ...
وقال أبو بكر عبد العزيز هي واجبة للأقربين الّذين لا يرثون ، وهو قول داود ، وحكي ذلك عن مسروق ، وطاوس ، وإياس ، وقتادة ، وابن جرير ، واحتجّوا بالآية وخبر ابن عمر ، وقالوا نسخت الوصيّة للوالدين والأقربين الوارثين ، وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين».
(١) قول المصنّف إشارة إلى الوجوه الخمسة الّتي مرّت في الصفحة (٥٥٤ و ٥٥٥) وهي أن يكون الثّاني منبّئا عن نسخ الأوّل لفظا أو معنى.
(٢) في حكم مسّ الذّكر ثلاث روايات الأولى أن لا ينقض بحال ، وهي رواية قيس بن طلق عن أبيه ، وقد رواها أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والنّسائي ، وهي «قال أبو داود حدّثنا مسدّد ، حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي ، حدثنا عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه قال قدمنا على نبي الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فجاء رجل كأنّه بدوي فقال يا نبيّ الله ما ترى في مسّ الرّجل ذكره بعد ما يتوضّأ؟ فقال هل هو إلّا مضغة منه ، أو قال بضعة منه» سنن أبو داود ٢٨١ باب الرخصة في مسّ الذّكر.
الثّانية لا ينقض إلّا أن يقصد مسّه ، أي يقبض ذكره بيديه.
الثّالثة ينقض الوضوء بكلّ حال ، قال ابن قدّامة في شرحه الكبير على المغني (٢١٦١) «ينقض الوضوء بكلّ حال ، وهي ظاهر المذهب ، وهو مذهب ابن عمر ، وسعيد بن المسيّب ، وعطاء ، وعروة ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، والأوزاعي ، والشّافعي ، وهو المشهور عن مالك لما روت بسرة بنت صفوان أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال «من مسّ ذكره فليتوضّأ». وعن جابر مثل ذلك رواهما ابن ماجة.
قال الترمذي حديث بسرة حسن صحيح. وقال البخاري أصحّ شيء في هذا الباب حديث بسرة ، وصحّحه الإمام أحمد. فأمّا حديث قيس فقال أبو زرعة وأبو حاتم قيس ممّن لا تقوم بروايته حجّة ووهّناه ولم يثبتاه.