وكذلك لا يصحّ النّسخ به ، لأنّ من شأن النّاسخ أن يكون دليلا شرعيّا متأخّرا عن المنسوخ ، وذلك لا يتأتّى في الإجماع على مذهبنا ، فجرى ذلك مجرى أدلّة العقل الّتي لا يجوز النّسخ بها على ما مضى القول فيه.
فأمّا على مذهب الفقهاء فلا يجوز أيضا نسخه ، لأنّه دليل قد استقرّ بعد ارتفاع الوحي ، ومعلوم أنّ بعده لا يصحّ النّسخ ، فيجب امتناع النّسخ فيه (١).
وكذلك لا يصحّ النّسخ به ، لمثل ما قلناه نحن ، من أنّ من شأن النّاسخ أن يكون متأخّرا عن المنسوخ ، والحكم إذا كان ثابتا فلا يجوز أن يجمع الأمّة بعد ذلك على خلافه ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى بطلان الإجماع (١).
فأمّا إذا أجمعوا على شيء ثمّ ورد الخبر بخلافه ، نحو إجماعهم على أن «لا غسل على من غسّل ميّتا» على مذهبهم. «ولا وضوء على حامله» (٢) وقد وردت السّنّة به (٣) ، فإنّما يستدلّ بالإجماع على أنّ الخبر غير صحيح ولا يجب قبوله.
وأمّا أن يكون منسوخا به فلا (١) ، وإنّما قالوا ذلك : لأنّه لو كان صحيحا لما أجمعت الأمّة على خلافه ، لأنّهم يتّبعون الأدلّة ولا يخالفونها ، أو يستدلّ بالإجماع على أنّه نسخ بغيره لا به نفسه.
فإن قيل : فهل يجوز أن ينسخ إجماعهم على قولين بإجماعهم على أحدهما؟
__________________
(١) انظر : «الذريعة ١ : ٤٥٦ ، الأحكام للآمدي ٣ : ١٤٤ ، اللّمع : ٦٠ ، شرح اللّمع ١ : ٤٩٠ ، شرح المنهاج ١ : ٤٨٤ ، المعتمد ١ : ٤٠٠ ، روضة النّاظر : ٨٠ ، الأحكام لابن حزم ٤ : ٥١٧ ، إرشاد الفحول : ٢٨٧».
(٢) قال ابن قدامة في [المغني ١ : ٢٤٣ ، فصل ٢٩٧] : «ولا يجب الغسل من غسّل الميّت ، وبه قال ابن عبّاس ، وابن عمر ، وعائشة ، والحسن ، والنّخعي ، والشّافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر ، وأصحاب الرّأي».
(٣) قال ابن قدّامة (المغني ١ : ٢٤٣ رقم ٢٩٧) : «وعن عليّ وأبي هريرة أنّهما قالا : «من غسّل ميتا فليغتسل» ، وبه قال سعيد بن المسيّب ، وابن سيرين ، والزّهري ، واختاره أبو إسحاق الجوزاني لما روي عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «من غسّل ميتا فليغتسل ، ومن حمل ميّتا فليتوضّأ» ، قال الترمذي : هذا حديث حسن».