وأمّا السّنّة : فإنّما تنسخ بالسّنّة أيضا إذا تساويا في الدّلالة.
فإن كانت الأولى من أخبار الآحاد ، فعلى مذهبنا ذلك ساقط ، لأنّا لا نعمل بها ، وعلى مذهب الفقهاء يجوز نسخها بمثلها ، لأنّهما إذا كان طريقهما العلم فحكمهما حكم الكتاب.
وإن كانا ممّا طريقهما العمل فحالهما أيضا متساوية فيجب صحّة نسخ إحداهما بالأخرى ، وقد وقع ذلك أيضا على ما روي أنّ النّبي عليهالسلام : «نهى عن ادّخار لحوم الأضاحيّ وزيارة القبور» (١) ثمّ نسخ ذلك فأباح الزّيارة والادّخار للحوم الأضاحي (٢) ، ولا فصل بين نسخ قوله بفعله ، أو قوله بقوله ، وقد وقع ذلك عند الفقهاء لأنّه كان أمر عليهالسلام ـ على ما روي ـ بقتل شارب الخمر في المرّة الرابعة ، ثمّ أخذه وقد شرب رابعة فحدّه ونسخ به قوله (٣).
وعندنا أنّ هذا الحكم غير منسوخ ، بل هو ثابت.
وأمّا نسخ الكتاب بالسّنّة ، ونسخ السّنّة بالكتاب فسنبيّن القول فيه إن شاء الله (٢)
وأمّا الإجماع : فعندنا لا يجوز نسخه ، لأنّه دليل لا يتغيّر ، بل هو ثابت في جميع الأوقات ، لأنّ العقل عندنا يدلّ على صحّة الإجماع ، وما هذا حكمه لا يجوز تغيّره فيطرق عليه النّسخ.
__________________
(١) ولفظ الحديث النّاسخ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» وقد روي هذا الحديث عن الإمام علي ، وأبي سعيد الخدري ، وابن مسعود ، وجابر ، وبريدة وغيرهم ، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز ، باب استئذان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ربّه في زيارة قبر أمّه ، وأيضا أخرجه النّسائي وأبو داود في كتاب الجنائز ، باب زيارة القبور ، وابن قدامة في (المغني) : ٢ : ٤٢٥.
(٢) ولفظ الحديث النّاسخ للنّهي عن ادّخار اللحوم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كنت نهيتكم عن ادّخار لحوم الأضاحي فادّخروها» وروى الحديث جماعة من الصّحابة ، فقد أخرجه مسلم وابن ماجة ، والحاكم النيسابوري في مستدركه كلّهم في كتاب الأضاحي.
(٣) الأحكام لابن حزم الأندلسي ٤ : ٥١٧.
(٤) انظر تفصيل الكلام في هاتين المسألتين في صفحة ٥٤٣ فصل ـ ٩.