فأمّا من تعلّق في هذا الباب بنسخ تقديم الصّدقة قبل المناجاة (١) فغلط ، لأنّه إنّما نسخ عزوجل قبل الفعل لا قبل وقته ، لأنّهم عصوا إلّا عليّا عليهالسلام ، فلم يفعلوا ما أمر الله تعالى به في وقته فنسخ عنهم ، وهذا جائز عندنا.
وقد يتعلّق في هذا الباب بأخبار آحاد لا يصحّ التّعويل عليها في مثل هذه المسائل ، أو بشيء ليس بنسخ قبل وقت الفعل ، وإنّما هو نسخ قبل الفعل ، فينبغي أن يعرف هذا الباب ويتأمّل في ما يرد منه إن شاء الله ، فإنّه لا يختلّ على من ضبط أصل هذا الباب.
فأمّا الّذي يدلّ على أنّ النّسخ قبل الفعل يجوز (٢) على ما قدّمنا القول فيه ، فهو :
__________________
(١) إنّ اختصاص آية التّصدّق قبل المناجاة بعلي بن أبي طالب عليهالسلام من المشهورات الّتي نقلها السّنة والشّيعة ، قال ابن البطريق الحلّي في كتابه «خصائص الوحي المبين : ١٤٤» في معرض تفسيره لقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (المجادلة : ٥٨) : «قال أبو نعيم : حدّثنا أحمد بن فرج ، قال : حدّثنا أبو عمر الدّاوري ، قال : حدّثنا محمّد بن مروان ، عن محمّد بن السّائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا) الآية ، قال : إنّ الله عزوجل حرّم كلام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا أن يتصدّقوا قبل التّكلّم معه ، وبخلوا أن يتصدّقوا قبل كلامه ، قال : وتصدّق علي ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره.
ومن تفسير الثعلبي في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) الآية بالإسناد المتقدّم ، قال : قال مجاهد : نهى الله المسلمين عن مناجاة النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى يتصدّقوا فلم يناجه إلّا عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قدّم دينارا فتصدّق به ثمّ نزلت الرخصة.
وقال عليّ صلوات الله عليه : إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً).
وقال علي صلوات الله عليه : بي خفّف الله عزوجل عن هذه الأمّة أمر هذه الآية فلم تنزل في أحد قبلي ولم تنزل في أحد بعدي.
قال : وقال ابن عمر : كان لعلي بن أبي طالب عليهالسلام ثلاثة لو كان لي واحدة منهنّ كان أحبّ إليّ من حمر النعم : تزويجه فاطمة صلى الله عليها ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى».
(٢) انظر التعليقة رقم (١) صفحة ٥١٨.