والمبختين (١) أولى وأحرى (٢).
وأما الشرط الثالث : وهو أن كل عدد وقع العلم عند خبرهم فيجب أن تطرد العادة فيه ، فيقع العلم عند كل عدد مثله إذا ساووهم في الإخبار بما علموه ضرورة.
وإنما قلنا ذلك : لأنا لو جوزنا خلاف ذلك ، لم نأمن أن يكون في الناس من تخبره الجماعة الكثيرة ولا يعلم بخبرها ، وهذا يوجب أن يصدق من أخبر عن نفسه مع مخالطته الناس أنه لا يعلم أن في الدنيا مكة ، بل يجب أن يصدق المقيم في الجانب الشرقي أن لا يعلم الجانب الغربي إذا لم يعبر إليه ، وذلك سفسطة لا يصير إليه عاقل.
وأما الشرط الّذي نختص بمراعاته فإنما قلنا : إنه لا يمتنع (٣) «لأنه إذا كان هذا العلم مستندا إلى العادة وليس بموجب عن سبب ، جاز وقوعه على شروط زائدة وناقصة (٤)* بحسب ما يعلمه الله تعالى من المصلحة وأجرى به العادة.
وإنما احتجنا إلى زيادة هذا الشرط لئلا يقال أي فرق (٥)* بين خبر البلدان ، والأخبار الواردة بمعجزات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سوى القرآن ، كحنين الجذع (٦) ،
__________________
(١) البخت : بالفتح الحظ وزنا ومعنى ، وهو فارسي معرب «لسان العرب ، المصباح المنير ، مجمع البحرين».
(٢) المعتمد في أصول الفقه ٢ : ٩١ ـ ٩٠.
(٣) بداية لفقرة ينقلها المصنف عن كتاب (الذخيرة) للشريف المرتضى.
(٤) * يدل بظاهره على أن هذا الشرط ليس شرطا في جميع صور إفادة التواتر للعلم الضروري ، بل قد يكون شرطا بحسب مصلحة فيزيد به الشروط كما في أقل عدد التواتر المفيد للعلم الضروري وما في حكم الأقل وقد لا يكون شرطا فينتقص الشروط به كما في الأعداد الزائدة على أقل حد التواتر المفيدة للعلم الضروري بكثير.
(٥) * قوله : «أي فرق» يدل على أنه تكامل في أخبار المعجزات عدد التواتر المفيد للعلم الضروري ولا احتياج إلى هذه الشروط ، وأنه إذا لم يتكامل العدد الّذي أجرى الله تعالى أن يفعل عنده العلم الضروري كان نظريا بدون هذا الشرط.
(٦) قال الماوردي الشافعي في (أعلام النبوة) : ١٩٤ «ومن آياته صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه كان يخطب إلى جذع كان يستند إليه ، فلما اتخذ منبرا تحول عن الجذع إليه ، فحن إليه الجذع حتى ضمه إليه فسكن» ، وقد عده السيوطي والقاضي عياض متواترا وأخرجه الشيخان ، والبخاري ، والدارمي ، والترمذي ، والبيهقي ، وجماعة من الصحابة.